والغلبة ، ولا يعقل هذا إلا جسما ، فإن أثبته العقل غير جسم لم يعجز عن إثبات فوقية الذات لغير جسم. وكذلك من تأول الأصبع بالقدرة فإن القدرة أيضا صفة قائمة بالموصوف عرض من أعراضه ، ففر من صفة إلى صفة. وكذلك من تأول الضحك بالرضى بالإرادة ، إنما فر من صفة إلى صفة ، فهلا أقر النصوص على ما هى عليه ولم ينتهك حرمتها؟ فإن المتأول إما أن يذكر معنى ثبوتيا أو يتأول اللفظ بما هو عدم محض ، فإن تأوله بمعنى ثبوتى كائن لزمه فيه نظير ما فر منه (والله أعلم).
* * *
فصل
(هل لله يد واحدة أم أياد وعين واحدة أم أعين ..)
قال الجهمي : ورد في القرآن ذكر الوجه والأعين والعين الواحدة. فلو أخذنا بالظاهر لزمنا إثبات شخص له وجه ؛ وعلى ذلك الوجه أعين كثيرة وله جنب واحد ، وعليه أيد كثيرة ، وله ساق واحد ولا نرى في الدنيا شخصا أقبح من هذه الصورة المتخيلة.
قال السني المعظم حرمات الله تعالى : قد ادعيت أيها الجهمي أن ظاهر القرآن الذي هو حجة الله على عباده ، والذي هو خير الكلام وأصدقه وأحسنه وأفصحه وهو الذي هدى الله به عباده وجعله شفاء لما في الصدور ، وهدى ورحمة للمؤمنين ، ولم ينزل كتابا من السماء أهدى منه ولا أحسن ولا أكمل. فانتهكت حرمته وعظمته ونسبته إلى أقبح النقص والعيب ، وادعيت أن ظاهره ومدلوله إثبات شخص له وجه وله أعين كثيرة ، وله ساق واحد ، وادعيت أن ظاهر ما وصف الله به نفسه في كتابه يدل على هذه الصفة الشنيعة ، فيكون سبحانه قد وصف نفسه بأقبح الصفات في ظاهر كلامه. فأي طعن في القرائن أعظم من طعن من يجعل هذا ظاهره؟ ولم يدّع أحد من أعداء الرسول الذين ظاهروه بالمحاربة أن ظاهر كلامه أبطل الباطل ، فلو كان ذلك ظاهر القرآن لكان