الرابع : إن قوله معلوم أن الحديد لم ينزل جرمه من السماء إلى الأندلس ، وكذلك الأنعام. يقال له : هذا معلوم لك بالضرورة أم بالاستدلال ، ولا ضرورة يعلم بها ذلك ، وأين الدليل.
الخامس : أنه قد عهد نزول أصل الإنسان وهو آدم من علو إلى أسفل ، كما قال تعالى : (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) (طه : ١٢٣) فما المانع أن ينزل أصل الأنعام مع أصل الأنام ، وقد روي في نزول الكبش الذي فدى الله به إسماعيل ما هو معروف ، وقد روي في نزول الحديد ما ذكره كثير من أرباب النقل ، كنزول السندان والمطرقة ، ونحن وإن لم نجزم بذلك فالمدعي أن الحديد لم ينزل من السماء ليس معه ما يبطل ذلك.
السادس : إن الله سبحانه لم يقل أنزلنا الحديد من السماء ، ولا قال وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج من السماء ، فقوله معلوم أن الحديد والأنعام لم ينزل من السماء إلى الأرض لا يخرج لفظة «النزول» عن حقيقتها ، إذ عدم النزول من مكان معين لا يستلزم عدمه مطلقا.
السابع : إن الحديد إنما يكون في المعادن التي في الجبال وهي عالية على الأرض ، وقد قيل إن كل ما كان معدنه أعلى كان حديده أجود.
وأما قوله : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) فإن الأنعام تخلق بالتوالد المستلزم إنزال الذكور الماء من أصلابها إلى أرحام الإناث ، ولهذا يقال أنزل ، ولم ينزل ، ثم إن الأجنة تنزل من بطون الأمهات إلى وجه الأرض ، ومن المعلوم أن الأنعام تعلو فحولها إناثها ، والوطي وينزل ماء الفحل من علو إلى رحم الأنثى وتلقي ولدها عند الولادة من علو إلى أسفل ، وعلى هذا فيحتمل قوله : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) وجهين (أحدهما) أن يكون المراد الجنس كما هو الظاهر ، ويكون كقوله : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) فتكون (من) لبيان الجنس.
الثاني : أن يكون «من» لابتداء الغاية كقوله : (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) (النساء : ١) فيكون قد ذكر المحل الذي أنزلت منه وهو أصلاب الفحول ، وهذان الوجهان يحتملان في قوله : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ