(٩) المثال التاسع : في المعية
(المثال التاسع) : مما ادعي فيه قوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (الحديد : ٤) قوله تعالي : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) (النحل : ١٢٨) وقوله تعالي : (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) (طه : ٤٦) وقوله : (إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) (الشعراء : ١٥) وقوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق : ١٦) ، وقوله (فَإِنِّي قَرِيبٌ) (البقرة : ١٦٨) وقوله : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) (المجادلة : ٧) الآية ونحو ذلك.
قالت المجازية : هذا كله مجاز يمتنع حمله على الحقيقة ، إذ حقيقته المخالطة والمجاورة ، وهي منتفية قطعا ، فإذا معناها معية العلم والقدرة والإحاطة ، ومعية النصر والتأييد والمعونة ، وكذلك القرب.
قال أصحاب الحقيقة : والجواب عن ذلك من وجوه.
أحدها : لا تخلو هذه الألفاظ إما أن يكون ظاهرها أن ذاته تعالى في كل مكان ، أو لا يكون ذلك ظاهرها ، فإن كان ذلك ظاهرها فهو قول طوائف من إخوان هؤلاء ، وهم الجهمية الأول ، الذين كانوا يقولون : إن الله بذاته في كل مكان ، ويحتجون بهذه الآيات وما أشبهها.
وهؤلاء الجهمية المستأخرون الذين يقولون : ليس فوق السموات رب ، ولا على العرش إله ، عاجزون عن الرد على سلفهم الأول ، وسلفهم خير منهم فإنهم أثبتوا له وجودا بكل مكان وهؤلاء نفوا أن يكون داخل العالم أو خارجه ، والرسل وأتباعهم أثبتوا أنه خارج العالم ، فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه ، فنفاة النقيضين لا يمكنهم الرد على من أثبت النقيضين ، فإنهم إن قالوا إثبات النقيضين محال ، قالوا لهم ونفيهما محال ، وإن قالوا كونه داخل العالم ينافي كونه خارجا عنه ، قالوا لهم : وكونه غير داخل العالم ينافي كونه غير خارج عنه ، فإن قالوا وصفه بدخوله في العالم وخروجه منه يستلزم التجسيم.