وخامس أربعة وسادس خمسة ، وقال تعالى في المعية الخاصة لموسى وأخيه (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) (طه : ٤٦) وقال في العامة (فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) (الشعراء : ١٥) فتأمل كيف أفرد ضمير نفسه حيث أفرد موسى وأخاه عن فرعون ، وكيف جمع الضمير لما أدخل فرعون معهما في الذكر ، فجعل الخاص مع المعية الخاصة والعام مع المعية العامة. وأما قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق : ١٦) فهذه الآية لها شأن. وقد اختلف فيها السلف والخلف على قولين ، فقالت طائفة : نحن أقرب إليه بالعلم والقدرة والإحاطة وعلى هذا فيكون المراد قربه سبحانه بنفسه ، وهو نفوذ بنفسه ، وهو نفوذ قدرته ومسيئته فيه وإحاطة علمه به. والقول الثاني : أن المراد قرب ملائكته منه ، وأضاف ذلك إلى نفسه بصيغة ضمير الجمع على عادة العظماء في إضافة أفعال عبيدها إليها بأوامرهم ومراسيمهم ، فيقول الملك نحن قتلناهم وهزمناهم. قال تعالى : (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) (القيامة : ١٨) وجبرائيل هو الذي يقرأه على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) (الأنفال : ١٧) فأضاف قتل المشركين يوم بدر إليه ، وملائكته هم الذين باشروه ، إذ هو بأمره ، وهذا القول أصح من الأول لوجوه (أحدها) أنه سبحانه قيد القرب في الآية بالظرف وهو قوله : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) (ق : ١٧) كالعامل في الظرف ما في قوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) من معنى الفعل ، ولو كان المراد قربه سبحانه بنفسه لم يتقيد ذلك بوقت تلقي الملكين ، ولا كان في ذكر التقييد به فائدة ، فإن علمه سبحانه وقدرته ومشيئته عامة التعلق (١).
__________________
(١) وقال في الفوائد عند ذكر هذه الآية : .... ثم أخبر سبحانه عن إحاطة علمه به ـ يعني بعبده ـ حتى علم وساوس نفسه ، ثم أخبر عن قربه إليه بالعلم والإحاطة ، وأن ذلك أدنى إليه من العرق الذي هو داخل بدنه ، فهو أقرب إليه بالقدرة عليه ، والعلم به من ذلك العرق.
وقال شيخنا ـ يقصد شيخ الإسلام ابن تيمية ـ : المراد بقوله : «نحن» أي ملائكتنا ، كما قال : (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) أى إذا قرأه عليك رسولنا جبريل ، قال : ويدل عليه قوله : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) فقيد القرب المذكور بتلقي الملكين ، ولو كان المراد به قرب الذات لم يتقيد بوقت تلقي الملكين ، فلا حجة في الآية لحلولي ولا معطل اه.