(الثاني) أن الآية تكون قد تضمنت علمه وكتابة ملائكته لعمل العبد ، وهذا نظير قوله : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (الزخرف : ٨٠) وقريب منه قوله تعالى في أول السورة : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) (ق : ٤) ونحو قوله : (قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) (طه : ٥٢).
(الثالث) إن قرب الرب تعالى إنما ورد خاصا لا عاما ، وهو نوعان : قربه من داعيه بالإجابة ومن مطيعه بالإثابة ولم يجيء القرب كما جاءت المعية خاصة وعامة ، فليس في القرآن ولا في السنة أن الله قريب من كل أحد ، وأنه قريب من الكافر والفاجر ، وإنما جاء خاصا كقوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) (البقرة : ١٨٦) فهذا قربه من داعيه وسائله به ، وقال تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف : ٥٦) ولم يقل قريبة ، وإنما كان الخبر عنها مذكورا. إما لأن فعيلا بينه وبين فعول اشتراك من وجوه ، منها الوزن والعدد والزيادة والمبالغة ، وكون كل منهما يكون معدولا عن فاعل استوى مذكره مؤنثه في عدم إلحاق التاء ، كامرأة نئوم وضحوك ، فحملوا فعيلا عليه في بعض المواضع لعقد الإخوة التي بينهما ، وإما لأن قريبا معدول عن مفعول في المعنى كأنها قربت منهم وأدنيت ، وهم يراعون اللفظ تارة والمعنى أخرى ، وإما ذهابهم بالرحمة إلى الإحسان واللطف والبر ، وهو كثير في لغتهم حتى يكثر أنهم يستعملون ضد ذلك فيقولون جاءت فلانا كتابي ، تذهبون به إلى الصحيفة. وإما على حذف مضاف يكون قريب خبرا عنه تقديره مكان رحمة الله أو تناولها ونحو ذلك قريب ، وإما على تقدير موصوف محذوف يكون قريب صفة له تقديره أمر أو شيء قريب كقول الشاعر :
قامت تبكيه على قبره |
|
من لي من بعدك يا عامر |
تركتني في الدار ذا غربة |
|
قد ذل من ليس له ناصر |
أي شخصا ذا غربة ، وعلى هذا حمل سيبويه حائضا ، وطالقا وطامثا ونحوها ، وإما على اكتساب المضاف إليه ، نحو ذهبت بعض أصابعه ، وتواضعت