انتفت حقيقة الكلام عنه انتفى الخلق ، وقد عاب الله آلهة المشركين بأنها لا تتكلم ولا تكلم عابديها ولا ترجع إليهم قولا ، والجهمية وصفوا الرب تبارك وتعالى بصفة هذه الآلهة.
وقد ضرب الله تعالى لكلامه واستمراره ودوامه المثل بالبحر يمده من بعده سبعة أبحر ، وأشجار الأرض كلها أقلام ، فيفنى المداد والأقلام ولا تنفد كلماته. أفهذا صفة من لا يتكلم ولا يقوم به كلام؟ فإذا كان كلامه وتكليمه ، وخطابه ونداؤه ، وقوله وأمره ، ونهيه ووصيته ، وعهده وإذنه ، وحكمه وإنباؤه ، وأخباره وشهادته. وكل ذلك مجاز لا حقيقة له بطلت الحقائق كلها ، فإن الحقائق إنما حقت بكلمات تكوينه (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (يونس : ٨٢) فما حقت الحقائق إلا بقوله وفعله.
* * *
فصل
اختلاف الناس في : صفة الكلام
اختلف أهل الأرض في كلام الله تعالى ، فذهب الاتحادية القائلون بوحدة الوجود أن كل كلام في الوجود كلام لله ، نظمه ونثره ، وحقه وباطله ، سحره وكفره ، والسب والشتم ، والهجر والفحش ، وأضداده كله غير كلام الله تعالى القائم به كما قال عارفهم :
وكل كلام في الوجود كلامه |
|
سواء علينا نثره ونظامه |
وهذا المذهب مبني على أصلهم الذي أصلوه ، وهو أن الله سبحانه هو عين هذا الوجود ، فصفاته هي صفات الله ، وكلامه هو كلام الله ، وأصل هذا المذهب إنكار مسألة المباينة والعلو ، فإنهم لما أصلوا أن الله تعالى غير مباين لهذا العالم المحسوس صاروا بين أمرين لا ثالث لهما إلا المكابرة.
(أحدهما) إنه معدوم ، لا وجود له ، إذ لو كان موجودا لكان إما داخل العالم وإما خارجا عنه ، وهذا معلوم بالضرورة ، فإنه إذا كان قائما بنفسه ، فإما أن يكون مباينا للعالم أو محايثا له ، إما داخلا فيه وإما خارجا عنه.
(الأمر الثاني) أن يكون هو عين هذا العالم ، فإنه يصح أن يقال فيه حينئذ