والبراهين العقلية والأدلة القطعية شاهدة ببطلان هذه المذاهب كلها ، وأنها مخالفة لصريح العقل والنقل ، والعجب أنها هي الدائرة بين فضلاء العالم لا يكادون يعرفون غيرها.
* * *
فصل
(مذهب أهل السنة في إثبات صفة الكلام)
قول أتباع الرسل الذين تلقوا هذا الباب عنهم أثبتوا لله صفة الكلام كما أثبتوا له سائر الصفات ومحال قيام هذه الصفة بنفسها كما يقوله بعض المكابرين أنه خلق الكلام لا في محل ، ومحال قيامها بغير الموصوف بها كما يقوله المكابر الآخر أنه خلق في محل ، فكان هو المتكلم به دون المحل. قالوا والكلام الحقيقي هو الذي يوجد بقدرة المتكلم وإرادته قائما به ، لا يعقل غير هذا ، وأما ما كان موجودا بدون قدرته ومشيئته وإن سمع منه فإنه ليس بكلام له ، وإنما هو مخلوق خلقه الله فيه ، فلو كان ما قام بالرب تعالى من الكلام غير متعلق بمشيئته بل يتكلم بغير اختياره لم يكن هذا هو الكلام المعهود ، بل هذا شيء آخر غير ما يعرفه العقل ، ويشهد به الشرع. قالوا : ولو لم يكن هناك ألفاظ مسموعة حقيقة السمع لم يكن ثم صفة كلام البتة ، ولو كان عاجزا عن كلام في الأزل لم يصر قادرا عليه فيما لم يزل ، فإنه إذا كانت حاله قبل وبعد سواء وهو لم يستفد صفة الكلام من غيره ، فمن المستحيل أن تجدد له هذه الصفة بعد أن كان فاقدا لها بالكلية.
وكذلك إثبات قدم عين كل فرد من أنواع الكلام وبقائه أزلا وأبدا واقتران حروفه بعضها ببعض بحيث لا يسبق شيء منها لغيره ، لا يسيغه عقل ولا تقبله فطرة وقد دلت النصوص النبوية أنه متكلم إذا شاء بما شاء ، وأن كلامه يسمع ، وأن القرآن العزيز الذي هو سور وآيات وحروف وكلمات عين كلامه حقا ، لا تأليف ملك ولا بشر ، وأنه سبحانه الذي قاله بنفسه : (المص ،) و (حم عسق) ، و (كهيعص) (أول الأعراف ، وأول الشورى ، وأول مريم) وأن القرآن جميعه ،