فصل
القرآن كلام الله غير مخلوق
وأما مسأله تكلم العباد بالقرآن فقد اشتبهت على كثير من الناس ، فقالت طائفة : إن الله يخلق كلامه عند تلاوة كل تال ، فيجري كلامه المخلوق على لسان التالي ، وفعل التالي هو حركة اللسان فقط وهي القراءة : فالقراءة صنع العبد عندهم ، والمقروء صنع الله وخلقه ، فالمسموع عندهم مخلوق بين صانعين : صنع الرب وصنع العبد ، وهذا قول أبي هذيل والإسكافي وأصحابه.
وقالت فرقة أخرى : إن العبد هو المحدث لأفعاله وتلاوته ، والله تعالى خلقه في مكان واحد لا ينتقل عنه ولا يفارقه إلى غيره ، فهذا المسموع هو صنع التالي ، ألفاظه وتلاوته. وهذا قول أكثر البغداديين من المعتزلة ، وقول جعفر بن حرب.
__________________
قال الحافظ : وهذا أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما ، ثم قال :
واختلف أهل الكلام في أن كلام الله هل هو بحرف وصوت أولا؟! فقالت المعتزلة : لا يكون الكلام إلا بحرف وصوت ، والكلام المنسوب إلى الله قائم بالشجرة ، وقالت الأشاعرة : كلام الله ليس بحرف ولا صوت ، وأثبتت الكلام النفسي ، وحقيقته معنى قائم بالنفس وإن اختلفت عنه العبارة كالعربية والعجمية ، واختلافها يدل على اختلاف المعبر عنه ، والكلام النفسي هو ذلك المعبر عنه ، وأثبتت الحنابلة أن الله متكلم بحرف وصوت.
أما الحروف فللتصريح بها في ظاهر القرآن ، وأما الصوت فمن منع قال : إن الصوت هو الهواء المنقطع المسموع من الحنجرة ، وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر ، وصفات الرب بخلاف ذلك فلا يلزم المحذور المذكور مع اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه ، وأنه يجوز أن يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه.
وقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب «السنة» : سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت ، فقال لي أبي : بل تكلم بصوت هذه الأحاديث تروى كما جاءت وذكر حديث ابن مسعود وغيره ا ه.
أفاده الحافظ في «الفتح» (١٣ / ٤٦٨ ـ ٤٦٩).