واختلفت هذه الفرقة في الصوت الذي يسمع من القارئ على قولين (أحدهما) إنه عين صوت الله بالقرآن ظهر عند تلاوة التالي ، فكانت التلاوة مظهرة له. وقالت فرقة أخرى منهم ؛ ما لا بد منه من الصوت في الأداء ولا يتأدى الكلام بدونه ، فهو الصوت القديم ، وما زاد عليه من قوة الاعتماد والرفع فمحدث.
قالوا : وقد اقترن القديم بالمحدث على وجه معسر التمييز بينهما جدا ؛ فلما ورد عليهم أن الحس شاهد بأن هذه الصوت موجودا بعد أن كان معدوما ، ومعدوما بعد وجوده وهذا مستحيل على القديم أجابوا بأن الذي وجد بعد عدمه ثم عدم بعد وجوده هو ظهور الصوت القديم لا نفسه ، فالحدوث وقع على الإدراك لا على المدرك ؛ كما إذا سمع كلامه سبحانه منه بعد أن لم يسمع ؛ ثم عدم السمع فالحدوث واقع على السمع لا على المسموع ؛ وهذا قول جماعة ممن ينسب إلى الإمام أحمد.
وأصحابه المتقدمون بريئون من هذا المذهب المخالف والعقل والفطرة ، ونصوص أحمد إنما تدل على خلافه ، فقد نص في رواية جماعة من أصحابه على أن الصوت صوت العبد ،
فقال في قول النبي صلىاللهعليهوسلم «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» (١) قال يجهر به ويحسنه بصوته ما استطاع ، وقد نص على ذلك الأئمة كالبخاري وغيره.
قال البخاري في «صحيحه» : باب قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «الماهر بالقرآن مع الكرام البررة» (٢) «زينوا القرآن بأصواتكم» (٣) ثم احتجت بحديث أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بتغنى بالقرآن يجهر به» (٤) فأضاف الصوت إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم ساق حديث البراء : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) رواه البخاري (٧٥٢٧).
(٢) رواه البخاري (٤٩٣٧) ، ومسلم (٧٩٨).
(٣) [صحيح] رواه الإمام أحمد (٤ / ٢٨٥ ، ٢٩٦ ، ٣٠٤) ، وأبو داود (١٤٦٨) ، والنسائي (٢ / ١٧٩) ، والحاكم (١ / ٥٧١ ـ ٥٧٥) وصححه الألباني في «صحيح الجامع».
(٤) رواه البخاري (٧٥٤٤) ، ومسلم (٩٧٢).