فإن قيل : كيف يكون المسموع غير مخلوق ، وإنما هو صوت العبد ، وأما كلامه سبحانه القائم به فإنا لا نسمعه ، وكيف يكون المنظور إليه غير مخلوق ، وإنما هو المداد والورق ، وكيف يكون المحفوظ غير مخلوق وإنما هو الصدر وما حواه واشتمل عليه ، فهل انتقل القديم وحل في المحدث أو اتحد به وظهر فيه فإن أزلتم هذه الشبهة انجلى الحق وظهر الثواب ، إلا فالغبش موجود والظلمة منعقدة.
قيل : قد زال الغبش بحمد الله وزالت الظلمة ببعض ما تقدم ، ولكن ما حيلة الكحال في العميان؟ فمن يشك في القلب وصفاته ، واللسان وحركاته ، والحلق وأصواته والبصر ومرئياته ، والورق ومداده ، والكاتب وآلاته.
قال الشعبي في بيع المصاحف : لا يبيع كتاب الله وإنما يبيع عمل يده ، وقال زياد مولى سعيد : سألت ابن عباس فقال : لا نرى أن تجعله متجرا ولكن ما عملت يداك فلا بأس. وقال سعيد بن جبير عن عباس في بيع المصاحف : إنما هم مصورون يبيعون عملهم ، عمل أيديهم ، وذكر ذلك البخاري قال ، ويذكر عن على قال : يأتي علي الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ، ولا من القرآن إلا رسمة.
قال البخاري : قال الله عزوجل : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) قال ولكنه كلام الله تلفظ به العباد والملائكة ، قال : وقد قال تعالى : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) (القمر : ١٧) قال وسمع عمر معاذا القارئ يرفع صوته بالقراءة وقال (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان : ١٩) ثم روى عن أبي عثمان النهدي قال : ما سمعت صنجا قط ولا بربطا ولا مزمارا أحسن من صوت أبي موسى الأشعري إلا فلان إن كان ليصلى بنا فنودّ أنه قرأ البقرة لحسن صوته.