مبتدئا تاليا وقارئا ، كما هو قول الرسول مبلغا له ومؤديا ، كما قال تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) فرسول الله صلىاللهعليهوسلم قال ما أمر به أن يقول ، فكان قوله تبليغا محضا لما قاله ، فمن زعم أن التالي والقاري لم يقل شيئا فهو مكابر جاحد للحس والضرورة ، ومن زعم أن الله لم يقل هذا الكلام الذي نقرأ ونتلوه بأصواتنا فهو معطل جاحد جهمي زاعم أن القرآن قول البشر.
قال البخاري : وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اقرءوا إن شئتم» (١) فالقراءة لا تكون إلا من الناس ، وقد تكلم الله بالقرآن من قبل خلقه ، فبين أن الله سبحانه هو المتكلم بالقرآن قبل أن يتكلم به العباد ، بخلاف قول المعتزلة والجهمية الذين يقولون إن الله خلقه على لسان العبد ، فتكلم العبد بما خلقه الله على لسانه من كلامه في ذلك الوقت ، ولم يتكلم به الله قبل ذلك.
قال البخاري : ويقال فلان حسن القراءة ورديء القراءة ، ولا يقال حسن القرآن وإنما ينسب إلى العباد القراءة لأن القرآن كلام الرب ، والقراءة فعل العبد ، قال ولا تخفى معرفة هذا القدر إلا على من أعمى الله قبله ولم يوفقه ولم يهده سبيل الرشاد.
* * *
فصل
من المعلوم بالفطرة المستقرة عند العقلاء قاطبة أن الكلام يكتب في المحال من الرق والخشب وغيرهما ، ويسمى محله كتابا ويسمى نفس المكتوب كتابا ، فمن
__________________
(١) رواه البخاري في «خلق أفعال العباد» ص (١٥٢) والإمام أحمد (٢ / ٤٣٨) والترمذي (٣٢٩٢) ، والحاكم (٢ / ٢٩٩) عن أبي هريرة يرفعه بلفظ : «إن موضع سوط في الجنة لخير من الدنيا وما فيها اقرءوا إن شئتم (فمن زحزح عن النار ، وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الامتاع الغرور ... وقال : صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي ا ه. وقال الترمذي : حديث حسن صحيح أ. ه.