الأول قوله تعالى : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) (الواقعة : ٧٨) ، ومن الثاني قوله : (لَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ) (الأنعام : ٧) وقوله : (يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) (البينة : ٢ ، ٣) ، ولكن تسمية المحل مشروطة بوجود المكتوب فيه ، وهذا كما أن تسمية القصبة قلما مشروطة بكونها مبروءة ، وتسمية الدار قرية مشروطة بكونها مأهولة بالساكن ، وتسمية الإناء كأسا مشروطة بوضع الشراب فيه ، وتسمية السرير أريكة مشروطة بنصب الحجلة عليه ، بل اشتراط وجود المكتوب في المحل يصحح هذه التسمية أظهر من ذلك كله.
والقول بأن الكلام في الصحيفة من العلم العام الذي لم ينازع فيه أحد العقلاء إذا خلى مع الفطرة ، وإنما وقعت فيه شبهتان فاسدتان من جهة النفي والإثبات أحالت أربابها عن فطرتهم ، حتى قالوا ما هو معلوم الفساد بالفطرة والعقلاء كلهم يذكرون هذا مطلقا كقولهم الكلام في الصحيفة واللوح ، ومقيدا كقوله كلام فلان في الصحيفة والكتاب واللوح.
وهذا القدر المستقر في فطر الناس جاء في كلام الله وكلام رسوله صلىاللهعليهوسلم والصحابة والتابعين ، قال الله تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ) (الأنعام : ٧) ، وقال : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (البروج : ٢١ ، ٢٢) وقال تعالى شك (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) (الواقعة : ٧٧ ـ ٧٨) ، وقال تعالى : (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ) (عبس : ١٣ ـ ١٥) وقال تعالى : (يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) (البينة : ٢ ، ٣) ، وقد أخبر الله سبحانه عن تعدد محله بالكتاب تارة وبالرق تارة وبصدور الحفاظ تارة ، كما قال تعالى : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (العنكبوت : ٤٩).
والأحاديث والآثار في ذلك أكثر من أن تذكر ، كقول ابن عمر : نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو (١).
__________________
(١) رواه البخاري (٢٩٩٠) ، ومسلم (١٨٦٩).