حيث المادة ولا من حيث الصورة حتى يقال انتقلت تلك الحروف بمادتها وصورتها وحلت في الكتاب ، ولا يتوهم هذا سليم العقل والحواس.
* * *
فصل
وكلام الرب تعالى : بل كلام كل متكلم ، تدرك حروفه وكلماته بالسمع تارة وبالبصر تارة ، فالسمع نوعان : مطلق ومقيد ، فالمطلق ما كان بغير واسطة كما سمع موسى بن عمران كلام الرب تعالى من غير واسطة ، بل كلمه تكليما منه إليه ، وكما يسمع جبرائيل وغيره من الملائكة كلامه وتكليمه سبحانه. وأما المقيد فالسمع بواسطة المبلغ ، كسماع الصحابة وسماعنا لكلام الله حقيقة بواسطة المبلغ عنه كما يسمع كلام رسول الله صلىاللهعليهوسلم بل وكلام غيره كمالك والشافعي وسيبويه والخليل بواسطة المبلغ ، فقوله تعالى (فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) (التوبة : ٦) من النوع الثاني ، وكذلك قوله : (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ) (المائدة : ٨٣) وقوله في الحديث «كأن الناس لم يسمعوا القرآن إذا سمعوه يوم القيامة من الرحمن» (١) من النوع الأول ، ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : «ما منكم من أحد ألا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان» (٢).
وأما النظر فعلى نوعين أيضا ، فإن المكتوب قد يكتبه غير من يتكلم به فيكون الناظر إليه ناظرا إلى الحروف والملمات بواسطة ذلك الكاتب ، وقد يكون المتكلم نفسه كتب كلامه ، فينظر الناظر إلى حروفه وكلماته التي كتبها بيده ، كما سمع منه كلماته التي تكلم بها ، وهذا كما كتب لموسي التوراة بيده بغير واسطة كما في الحديث الصحيح في قصة احتجاج آدم وموسى (٣). وفي حديث الشفاعة وغير ذلك فجمع لموسي بين الأمرين : أسمعه كلامه بغير واسطة وأراه إياه بكتابته.
* * *
__________________
(١) تقدم تخريجه وهو ضعيف.
(٢) تقدم تخريجه وهو في «صحيح البخاري».
(٣) رواه البخاري (٦٦١٤) ، مسلم (٢٦٥٢).