ثم ساق الكلام في بيان أن القرآن اسم لهذا الكتاب العربي الذي نزل به جبرائيل من رب العالمين على قلب رسوله صلىاللهعليهوسلم وأجراه على لسانه. وأن الله تعالى تكلم به حقا فسمعه منه جبرائيل. فأداه إلي رسوله فأداه الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى الأمة.
* * *
فصل : صفة الكلام بصوت
قال شيخ الإسلام : أول ما ظهر إنكار أن الله سبحانه يتكلم بصوت في أثناء المائة الثالثة ، فإنه لما ظهرت الجهمية المعطلة في إمارة أبي العباس المأمون وأدخلته في آرائها بعد أن كانوا أذلاء مقموعين ، وهؤلاء كان عندهم أن الله لا يتكلم أصلا بحرف ولا صوت ولا معنى ولا يرى ، ولا هو مستو على عرشه ، ولا علم ولا حياة ولا إرادة ولا حكمة تقوم به ، فلما وقعت المحنة وثبت الله خلفاء الرسل وورثة الأنبياء علي ما ورثوه عن الأنبياء والمرسلين ، وعلموا أن باطل أولئك هو نفاق مشتق من أقوال المشركين والصابئين الذين هم أعداء الرسول ، وسوس الملك ، وظهر للأمة سوء مذاهب الجهمية وما فيها من التعطيل ظهر حينئذ عبد الله بن سعيد بن كلاب البصرى ، وأثبت الصفات موافقة لأهل السنة ، ونفى عنها الخلق ردا على الجهمية والمعتزلة. ولم يفهم لنفي الخلق عنها معني إلا كونها قديمة قائمة بذاته سبحانه. فأثبت قدم العلم والسمع والبصر والكلام وغيرها ، ورأى أن القديم لا يتصور أن يكون حروفا وأصواتا لما فيها من التعاقب وسبق بعضها بعضا. فجعل كلام الله القديم الذي ليس بمخلوق هو مجرد معنى أو معان محصورة ، وسلك طريقة خالف فيها المعتزلة ، ولم يوافق فيها أهل الحديث في كل ما هم عليه. فلزم من ذلك أن يقول إن الله لم يتكلم بصوت وحرف وتبعه طائفة من الناس.
وأنكر ذلك الإمام أحمد وأصحابه كلهم. والبخاري صاحب «الصحيح».