الأنصاري وأبو عمر الطلمنكي ، كلهم يصرح أن الله تعالى يتكلم بصوت. والبخاري في كتاب «خلق الأفعال».
* * *
فصل
(هل كلام الرب بمشيئته أم بغير مشيئته)
منشأ النزاع بين الطوائف أن الرب تعالى هل يتكلم بمشيئته أم كلامه بغير مشيئته على قولين. فقالت طائفة : كلامه بغير مشيئته واختياره ، ثم انقسم هؤلاء أربع فرق. قالت فرقة : هو فيض فاض منه بواسطة العقل الفعال على نفس شريفة فتكلمت به كما يقول ابن سينا وأتباعه وينسبونه إلى ارسطو.
وفرقة قالت : بل هو معنى قائم بذات الرب تعالى هو به متكلم ، وهو قول الكلابية ومن تبعهم وانقسم هؤلاء فريقين. فرقة قالت. وهو معان متعددة في أنفسها أمر ونهى وخبر واستخبار ، ومعني جامع لهذه الأربعة. وفرقة قالت : بل هو معنى واحد بالعين لا ينقسم ولا يتبعض.
وفرقة قالت : كلامه هو هذه الحروف والأصوات ، خلقها خارجة عن ذاته ، فصار بها متكلما. وهذا قول المعتزلة وهو في الأصل قول الجهمية تلقاه عنهم أهل الاعتزال فنسب إليهم.
وفرقة قالت : يتكلم بقدرته ومشيئته كلاما قائما بذاته سبحانه كما يقوم به سائر أفعاله لكنه حادث النوع. وعندهم أنه صار متكلما بعد أن لم يكن متكلما كما قاله من لم يصفهم من المتكلمين أنه صار فاعلا بعد أن لم يكن ، فقول هؤلاء في الفعل المتصل كقول أولئك في الفعل المنفصل. وهذا قول الكرامية.
وفرقة قالت : يتكلم بمشيئته ، وكلامه سبحانه هو الذي يتكلم به الناس كله حقه وباطله وصدقه وكذبه ، كما يقوله طوائف الاتحادية.
وقال أهل الحديث والسنة : إنه لم يزل سبحانه متكلما إذا شاء ويتكلم بمشيئته ولم تتجدد له هذه الصفة ، بل كونه متكلما مشيئته هو من لوازم ذاته المقدسة ، وهو بائن عن خلقه بذاته وصفاته وكلامه ، وليس متحدا بهم ولا حالا فيهم.