كذلك لما أخبرهم رسول الله عن رؤية الرب تعالى فهموا منها رؤية العيان لا مزيد العلم ، كما استشكل بعضهم ذلك وقال : يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم كيف يسع الخلائق وهو واحد ونحن كثير؟ وهذا السائل أبو رزين أيضا ، فقرر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فهمه وقال : سأخبرك بمثل ذلك في آلاء الله ، أليس كلكم يرى القمر مخليا به؟ قال بلى ، قال فالله أكبر (١) ، وهذا يدل على أن القوم إنما أحيلوا في إثبات ذلك على ما دل عليه اللفظ وعلى ما بينه لهم من أنزل عليه الوحي لا على رأي جهم وجعد ، والنظّام والعلاف والمريسي وتلامذتهم ، ولا على غير ما يتبادر إلى أفهامهم من لغاتهم وخطابهم ، كان يقرر لهم ذلك ويقربه من أفهامهم بالأمثال والمقاييس العقلية تقريرا لحقيقة الصفة.
* * *
فصل
فهم الصحابة والتابعين وتفسيرهم مقدم على فهم غيرهم
الوجه الخامس : أن الصحابة قد سمعوا من النبي صلىاللهعليهوسلم من الأحاديث الكثيرة ، ورأوا منه من الأحوال المشاهدة ، وعلموا بقلوبهم من مقاصده ودعوته ما يوجب فهم ما أراد بكلامه ما يتعذر على من بعدهم مساواتهم فيه ، فليس من سمع وعلم ورأى حال المتكلم ، كمن كان غائبا لم ير ولم يسمع ، أو سمع وعلم بواسطة أو وسائط كثيرة ، وإذا كان للصحابة من ذلك ما ليس لمن بعدهم كان الرجوع إليهم في ذلك دون غيرهم متعينا قطعا.
ولهذا قال الإمام أحمد : أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولهذا كان اعتقاد الفرقة الناجية هو ما كان عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، كما شهد لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بذلك في قوله : «من كان على مثل
__________________
(١) تقدم تخريجه.