أضعاف ذلك من الأخبار التي يقطع السامع بصدق المخبر بها ، فكيف ينشرح صدرا وينطلق لسانا بأن خبر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى ابن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم إذا قالوا سمعنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول كذا وكذا أنها لا تفيد علما البتة ، سبحانك هذا بهتان عظيم.
ونحن نشهد بالله أن هؤلاء كانوا إذا أخبروا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بخبر جزم بصدقهم ونشهد بالله أنهم كانوا إذا أخبروا سواهم من الصحابة والتابعين حزم بصدقهم ، بل نشهد بالله أن سالما ونافعا وسعيد بن المسيب وأمثالهم بهذه المنزلة ، بل مالك والأوزاعي والليث ونحوهم كذلك ، فلا يقع عندنا ولا عند من عرف القوم الاحتمال فيما يقول فيه مالك سمعت نافعا يقول سمعت ابن عمر يقول : سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : ونحن قاطعون بخطإ منازعينا في ذلك.
وقد ذهبت جماعة من أهل الأصول على أن الإجماع إذا انعقد على العمل بخبر الواحد صار كالمتواتر ، حكى ذلك ابن برهان واختار أنه لا يصير كالمتواتر ، وذهب جماعة أيضا إلى أن الواحد إذا ادعى على جماعة بحضرتهم ، صدقه فسكتوا صار خبره كالمتواتر ، وقد ذهب جماعة من أصحاب أحمد وغيرهم إلى تكفير من يجحد ما ثبت بخبر الواحد العدل ، والتكفير مذهب إسحاق بن راهويه ، وإنما أتى منكر إفادة خبر الواحد للعلم من جهة القياس الفاسد ، فإنه قاس المخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بشرع عام للأمة أو بصفة من صفات الرب تعالى على خبر الشاهد على قضية معينة ، ويا بعد ما بينهما فإن المخبر عن رسول الله ، لو قدر أنه كذب عمدا أو خطأ ولم يظهر ما يدل على كذبه لزم على ذلك إضلال الخلق ، إذ الكلام في الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول وعملت بموجبه وأثبتت به صفات الرب وأفعاله ، فإن ما يجب قبوله شرعا من الأخبار لا يكون باطلا في نفس الأمر ، ولا سيما إذا قبلته الأمة كلهم ، وهكذا يجب أن يقال في كل دليل يجب اتباعه شرعا لا يكون إلا حقا ، فيكون مدلوله ثابتا في نفس الأمر.
هذا فيما يخبر به عن شرع الرب تعالى وأسمائه وصفاته بخلاف الشهادة المعينة على مشهود عليه معين فهذه قد لا يكون مقتضاها ثابتا في نفس الأمر.