وحرف المسألة أنه لا يجوز أن يكون الخبر الذي تعبد الله به الأمة وتعرف به إليهم على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم في إثبات أسمائه وصفاته كذبا وباطلا في نفس الأمر فإنه من حجج الله على عبادة ، وحجج الله لا تكون كذبا وباطلا بل لا تكون إلا حقا في نفس الأمر ، ولا يجوز أن تتكافأ أدلة الحق والباطل ، ولا يجوز أن يكون الكذب على الله وشرعه ودينه مشتبها للوحي الذي أنزله على رسوله وتعبد به خلقه ، وبحيث لا يتميز هذا من هذا فإن الفرق بين الحق والباطل ، والصدق والكذب ووحي الشيطان ووحي الملك عن الله أظهر من أن يشتبه أحدهما الآخر ، ألا وقد جعل الله على الحق نورا كنور الشمس يظهر للبصائر المستنيرة ، وألبس الباطل ظلمة الليل ، وليس بمستنكر أن يشتبه الليل بالنهار على أعمى البصر ، كما يشتبه الحق والباطل على أعمى البصيرة.
قال معاذ بن جبل في قضيته : تلق الحق ممن قاله ، فإن على الحق نورا ، ولكن لما أظلمت القلوب وعميت البصائر بالإعراض عما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وازدادت الظلمة باكتفائها بآراء الرجال ، التبس عليها الحق بالباطل ، فجوزت علي أحاديثه الصحيحة التي رواها أعدل الأمة وأصدقها أن تكون كذبا ، وجوزت على الأحاديث الباطلة المكذوبة المختلقة التي توافق أهواءها أن تكون صدقا فاحتجب بها.
وسر المسألة أن خبر العدول الثقات الذي أوجب الله تعالى على المسلمين العمل به هل يجوز أن يكون في نفس الأمر كذبا وخطأ ولا ينصب الله دليلا على ذلك ، فمن قال إنه يوجب العلم يقول لا يجوز ذلك بل متى وجدت الشروط الموجبة للعمل به وجب ثبوت مخبره في نفس الأمر ، وعلى هذا تنازعوا في كفر تاركه من الحجج العلمية كما تكلموا في كفر جاحد الإجماع أن من رد الخبر الصحيح اعتقادا لغلط الناقل أو كذبه أو لاعتقاد الراد أن المعصوم لا يقول هذا ، أو لاعتقاد نسخه ونحوه ، فرده اجتهادا وحرصا على نصر الحق ، فإنه لا يكفر بذلك ولا يفسق فقد رد غير واحد من الصحابة بعض أخبار الآحاد الصحيحة ، كما رد