صاروا إلى قولنا وقطعوا أن كل خبر رواه الثقة عن الثقة مسندا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الديانة فإنه حق ، قد قاله رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما هو ، وأنه يوجب العلم ويقطع بصحته ولا يجوز أن يختلط به خبر موضوع أو موهوم فيه لم يقله قط رسول الله صلىاللهعليهوسلم اختلاطا لا يتميز الباطل فيه من الحق أبدا ، وإن قالوا بل كل ذلك ممكن كانوا قد حكموا بأن دين الإسلام قد فسد وبطل أكثره واختلط ما أمر الله تعالى به مع ما لم يأمر به اختلاطا لا يميزه أحدا أبدا ، وأنه لا يدرون أبدا ما أمرهم الله به مما لم يأمرهم به ولا ما وضع الكاذبون والمستخفون بما جاء به رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا بالظن الذي هو أكذب الحديث ، والذي لا يغني من الحق شيئا ، وهذا انسلاخ من الإسلام وهدم للدين وتشكيك في الشرائع.
ثم نقول لهم : أخبرونا إن كان ذلك كله ممكنا عندكم ، فهل أمركم الله بالعمل بما رواه الثقات مسندا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو لم يأمركم بالعمل به؟ ولا بد من أحدهما ، فإن قالوا لم يأمرنا الله تعالى بذلك لحقوا بالمعتزلة ، وسيأتي جوابهم عن هذا القول ؛ وإن قالوا بل أمرنا الله تعالى بالعمل بذلك ، قلنا لهم : فقد قلتم إن الله تعالى أمركم بالعمل في دينه بما لم يأمركم به مما وضعه الكاذبون وأخطأ فيه الواهمون وأمركم أن تنسبوا إلى الله تعالى وإلى رسوله صلىاللهعليهوسلم ما لم يأتكم به قط ، وما لم يقله الله ولا رسوله ، وهذا قطع عليه بأنه عزوجل أمر بالكذب عليه ، وافترض العمل بالباطل وبما شرعه الكاذبون مما لم يأذن به الله وبما ليس من الدين ، وهذا عظيم جدا لا يستجيز القول به مسلم.
ثم نسألهم عما قالوا إنه ممكن من سقوط بعض ما قاله رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الحكم في الدين بإيجاب أو تحريم حتى لا يؤخذ عن أحد هل بقي علينا العمل به أم سقط عنا؟ ولا بد من أحدهما ، فإن قالوا بل هو باق علينا ، قلنا لهم كيف يلزمنا العمل بما لا ندري وبما لم يبلغنا أبدا ، وهذا من تحميل الإصر والحرج والعسر الذي قد آمننا الله منه.
(وإن قالوا) بل قد سقط عنا العمل به (قلنا لهم) فقد أجزتم نسخ شريعة من شرائع دين الإسلام ، مات رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهي محكمة باقية لازمة ،