قال ابن حزم : وقال بعضهم لما انقطعت به الأسباب : خبر الواحد يوجب علما ظاهرا.
قال : وهذا كلام لا يعقل ، وما علمنا علما ظاهرا غير باطن ولا علما باطنا غير ظاهر ، بل كل علم يتيقن فهو ظاهر لمن علمه وباطن في قلبه ، وكل ظن لم يتيقن فليس علما أصلا لا ظاهرا ولا باطنا ، بل هو ضلال وشك وظن محرم القول به في دين الله.
ونقول لهم إذا كان عندكم يمكن أن يكون كثير من دين الإسلام قد اختلط بالباطل فما يؤمنكم إذ ليس محفوظا أن يكون كثير من الشرائع قد بطلت لأنه لم ينقلها أحد أصلا فإذا منعوا من ذلك لزمهم المنع من اختلاطها بما ليس منها ، لأن ضمان حفظ الله تعالى يقتضي الأمان من كل ذلك.
وأيضا فإنه لا يشك أحد من المسلمين أن كل ما علمه رسول الله صلىاللهعليهوسلم علمه أمته من شرائع الدين واجبها وحرامها وحلالها ، فإنه سنة الله تعالى وقد قال تعالى : (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) (فاطر : ٤٠٣) وقال تعالى (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ) (الأنعام : ٣٤) (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) (الكهف : ٢٧) فلو جاز أن يكون ما نقله الثقات الذين افترض الله علينا قبول نقلهم والعمل به والقول بأنه سنة الله وبيان نبيه ويمكن في شيء منه التحويل أو التبديل لكان إخبار الله تعالى بأنه لا يوجد لها تبديل ولا تحويل كذبا ، وهذا لا يجيزه مسلم أصلا ، فصح يقينا لا شك فيه أن كل سنة سنها الله عزوجل لرسوله وسنها رسوله لأمته ، فإنه لا يمكن في شيء منها تبديل ولا تحويل أبدا ، وهذا يوجب أن نقل الثقات في الدين يوجب العلم بأنه حق كما هو من عند الله عزوجل.
وأيضا فإنهم مجمعون معنا على أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم معصوم من الله في البلاغ في الشريعة وعلى تكفير من قال ليس معصوما في تبليغه إلينا ونقول لهم : أخبرونا عن الفضيلة بالعصمة التي جعلها الله لرسوله صلىاللهعليهوسلم في تبليغه الشريعة التي بعث بها أهي له في إخباره الصحابة بذلك فقط أم هي باقية لما أتى به عليه