فالعجب من إنكاركم هذا مع قولكم به بعينه في إيجابكم عصمة النبي صلىاللهعليهوسلم من الكذب والوهم في تبليغه الشريعة ، وهذا هو الذي أنكرتم بعينه ، بل لم تقنعوا بالتناقض إذا أصبتم في ذلك وأخطأتم في منعكم من ذلك في خبر الواحد العدل حتى أتيتم بالباطل المحض ، إذ جوزتم على جميع الأمم موافقة الخطأ في إجماعها في رأيها ، وذلك طبيعة في الكل وصفة لهم ، ومنعتم من جواز الخطأ والوهم على ما ادعيتموه من إجماع الأمة من المسلمين خاصة في اجتهادها في القياس ، وحاش لله أن تجتمع الأمة على الباطل والقياس عين الباطل. فخرقتم بذلك العادة وأحلتم الطبائع بلا برهان ولا سيما إذا كان المخالف لنا من المرجئة القاطعين بأنه لا يمكن أن يكون يهودي ولا نصراني يعرف بقلبه أن الله تعالى حق ، فإن هؤلاء أحالوا الطبائع بلا برهان ومنعوا من إحالتها إذا قام البرهان بإحالتها.
فإن قالوا إنه يلزمكم أن تقولوا إن نقلة الأخبار التي قالها رسول الله صلىاللهعليهوسلم معصومون في نقلها وإن كل واحد معصوم في نقله من تعمد الكذب ووقوع الوهم منه.
(قلنا لهم) نعم هكذا نقول وبه نقطع ، وكل عدل روى خبرا قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الدين فذلك الراوي معصوم فيه من تعمد الكذب ، ومقطوع بذلك عند الله ، ومن جواز الوهم فيه إلا ببيان وارد ولا بد من الله ببيان ما وهم فيه كما فعل سبحانه بنبيه صلىاللهعليهوسلم إذ سلّم من ركعتين ومن ثلاث واهما لقيام البراهين التي قدمنا من حفظ جميع الشريعة مما ليس منها (قلت) وهذا الذي قاله أبو محمد حق في الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول عملا واعتقادا دون الغريب الذي لم يعرف تلقي الأمة له بالقبول.
(قال ابن حزم) فإن قالوا قد تعبدنا الله سبحانه بحسن الظن به وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم إن الله تعالى يقول : «أنا عند ظن عبد بي فليظن بي خيرا» (١).
__________________
(١) رواه البخاري (٧٥٠٥) ، ومسلم (٢٦٧٥).