[أمثلة ما اختلفوا فيه في التأويل]
(المثال الأول : في الاستواء)
(تأويل الاستواء : بالإقبال)
المثال الأول : تأول قوله تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) (الفرقان : ٥٩) بأنه أقبل على خلقه ، فهذا إنشاء منهم لوضع لفظ (اسْتَوى) على (أقبل) وهذا لم يقله أحد من أهل اللغة ؛ فإنهم ذكروا معاني (اسْتَوى) ، ولم يذكر أحد منهم في معانيه الإقبال على الخلق. فهذه كتب اللغة طبقت الأرض لا تجد أحدا منهم يحكى ذلك عن اللغة. وأيضا فإن استواء الشيء والاستواء إليه والاستواء عليه يستلزم وجوده ووجود ما نسب إليه الاستواء بإلى أو بعلى ، فلا يقال : استوى إلى أمر معدوم ولا استوى عليه. فهذا التأويل إنشاء محض لا إخبار صادق عن استعمال أهل اللغة.
* * *
(تأويل الاستواء : بالاستيلاء)
وكذلك تأويلهم الاستواء بالاستيلاء ؛ فإن هذا لا تعرفه العرب من لغتها ؛ ولم يقله أحد من أئمة اللغة. وقد صرح أئمة اللغة كابن الأعرابي وغيره بأنه لا يعرف في اللغة. ولو احتمل ذلك لم يحتمله هذا التركيب ، فإن استيلاءه سبحانه وغلبته للعرش لم يتأخر عن خلق السموات والأرض ، فالعرش مخلوق قبل خلقهما بأكثر من خمسين ألف سنة ، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلىاللهعليهوسلم فيما صح عنه. وبطلان هذا التأويل من أربعين وجها سنذكرها إن شاء الله في موضعها من هذا الكتاب (١).
__________________
(١) ونضيف هنا جملة ذكرها المصنف في «اجتماع الجيوش» فقال :
قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) يتضمن إبطال قول المعطلة والجهمية الذين يقولون : ليس على العرش شيء سوى العدم ، وإن الله ليس مستويا على عرشه ،