وكثير منهم يقول : لا يفيد العلم بقرينة ولا غيرها ، وهذا في غاية المكابرة ومعلوم أن قرينة تلقي الأمة له بالقبول وروايته قرنا بعد قرن من غير نكير من أقوى القرائن وأظهرها فأي قرينة فرضتها كانت تلك أقوى منها.
الدليل الثاني : أن الله تعالى قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات : ٦) وفي القراءة الأخرى (فتثبتوا) ، وهذا يدل على الجزم بقبول خبر الواحد أنه لا يحتاج إلى التثبيت ، ولو كان خبره لا يفيد العلم لأمر بالتثبيت حتى يحصل العلم ومما يدل عليه أيضا أن السلف الصالح وأئمة الإسلام لم يزالوا يقولون : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم كذا وفعل كذا ، وأمر بكذا ونهى عن كذا ، وهذا معلوم في كلامهم بالضرورة.
وفي «صحيح البخاري» قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في عدة مواضع وكثير من أحاديث الصحابة يقول فيها أحدهم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإنما سمعه من صحابي غيره ، وهذه شهادة من القائل وجزم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما نسبه إليه من قول أو فعل ، فلو كان خبر الواحد لا يفيد العلم لكان شاهدا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بغير علم.
الدليل الثالث : إن أهل العلم بالحديث لم يزالوا يقولون صح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذلك جزم منهم بأنه قاله ، ولم يكن مرادهم ما قاله بعض المتأخرين إن المراد بالصحة صحة السند لا صحة المتن ، بل هذا مراد من زعم أن أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا تفيد العلم وإنما كان مرادهم صحة الإضافة إليه ، وأنه قال كما كانوا يجزمون بقولهم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأمر ونهى وفعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وحيث كان يقع لهم الوهم في ذلك يقولون يذكر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويروى عنه ونحو ذلك ، ومن له خبرة بالحديث يفرق بين قول أحدهم هذا الحديث الصحيح ، وبين قوله إسناده صحيح فالأول جزم بصحة نسبته إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والثاني شهادة بصحة سنده ، وقد يكون فيه علة أو شذوذ فيكون سنده صحيحا ولا يحكمون أنه صحيح في نفسه.
الدليل الرابع : قوله تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ