أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) إلى قوله : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة : ٤٩) ووجه الاستدلال أن كل ما حكم به رسول الله صلىاللهعليهوسلم فهو ما أنزل الله ، وهو ذكر من الله أنزله على رسوله ، وقد تكفل سبحانه بحفظه ، فلو جاز على حكمه الكذب والغلط والسهو من الرواة ولم يقم دليل على غلطه وسهو ناقله لسقط حكم ضمان الله وكفالته لحفظه ، وهذا من أعظم الباطل ، ونحن لا ندعي عصمة الرواة ، بل نقول : إن الراوي إذا كذب أو غلط أو سها فلا بد أن يقوم دليل على ذلك ولا بد أن يكون في الأمة من يعرف كذبه وغلطه ليتم حفظه لحججه وأدلته ، ولا تلتبس بما ليس منها ، فإنه من حكم الجاهلية ، بخلاف من زعم أنه يجوز أن تكون كل هذه الأخبار والأحكام المنقولة إلينا آحادا كذبا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وغايتها أن تكون كما قاله من لا علم عنده ، إن نظن إلا ظنا ، وما نحن بمستيقنين.
الدليل السادس عشر : ما احتج به الشافعي نفسه فقال : أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن أبيه عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «نضر الله ، عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها ، فرب حامل فقه إلى غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لله والنصيحة للمسلمين ، ولزوم جماعتهم ، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم» (١).
قال الشافعي : فلما ندب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها أمر أن يؤديها ولو واحد ، دل على أنه لا يأمر من يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه ، لأنه إنما يؤدي عنه حلال يؤتى ، وحرام يجتنب ، وحد يقام ، ومال يؤخذ ويعطى ، ونصيحة في دين ودنيا ، ودل على أنه قد يحمل
__________________
(١) [صحيح] رواه الإمام أحمد (٥ / ١٨٣) ، والترمذي (٢٦٥٨) وأبو داود (٣٦٦٠) ، وابن ماجه (٢٣٠) ، وصححه الألباني ومعنى لا يغل : أى لا يدخله حقد يزيله عن الحق.