قال : وقد كنت أميل إلى هذه وأحسبه قويا ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه هو الصحيح ، لأن الظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ ، والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ ، ولهذا كان الإجماع المبني على الاجتهاد حجة مقطوعا بها ، وأكثر إجماعات العلماء كذلك وهذه نكتة نفيسة نافعة.
* * *
فصل
وقال إمام عصره المجمع على إمامته أبو المظفر منصور بن محمد السمعاني في كتاب «الانتصار» له وهذا لفظه :
ونشتغل الآن بالجواب عن قولهم فيما سبق : أن أخبار الآحاد لا تقبل فيما طريقه العلم وهذا رأي سمعت به المبتدعة في رد الأخبار فنقول وبالله التوفيق :
إذا صح الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ورواه الثقات والأئمة وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، وتلقته الأمة بالقبول ، فإنه يوجب العلم فيما سبيله العلم ، هذا قول عامة أهل الحديث والمتقنين من القائمين على السنة.
وأما هذا القول الذي يذكر أن خبر الواحد لا يفيد العلم بحال فلا بد من نقله بطريق التواتر لوقوع العلم به حتى أخبر عنه القدرية والمعتزلة ، وكان قصدهم منه رد الأخبار ، وتلقفه منهم بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم في العلم قدم ثابت ، ولم ، يقفوا على مقصودهم من هذا القول ، ولو أنصف أهل الفرق من الأمة لأقروا بأن خبر الواحد قد يوجب العلم ، فإنك تراهم مع اختلافهم في طرائقهم وعقائدهم يستدل كل فريق منهم على صحة ما يذهب إليه بالخبر الواحد : ترى أصحاب القدر يستدلون بقوله صلىاللهعليهوسلم «كل مولود يولد على الفطرة» (١) وبقوله «خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم» (٢)
__________________
(١) رواه البخاري (١٣٥٨ ، ١٣٥٩) ، ومسلم (٢٦٥٨).
(٢) رواه مسلم (٢٨٦٥).