المشتغل بغيرها ، وهذا شأن من عني بسيرة رجل وهديه وكلامه وأحواله فإنه يعلم من ذلك بالضرورة ما هو مجبول لغيره.
فصل
(تقسيم الدين إلى أصول وفروع تقسيم باطل)
المقام الخامس : إن هذه الأخبار لو لم تفد اليقين فإن الظن الغالب حاصل منها ولا يمتنع إثبات الأسماء والصفات بها كما لا يمتنع إثبات الأحكام الطلبية بها ، فما الفرق بين باب الطلب وباب الخبر بحيث يحتج بها في أحدهما دون الآخر ، وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة ، فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات كما يحتج بها في الطلبيات العمليات ، ولا سيما والأحكام العملية تتضمن الخبر عن الله بأنه شرع كذا وأوجبه ورضيه دينا ، بشرعه ودينه راجع إلى أسمائه وصفاته ، ولم تزل الصحابة والتابعون وتابعوهم وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام ، ولم ينقل عن أحد منهم البتة أنه جوز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الإخبار عن الله وأسمائه وصفاته.
فأين السلف المفرقين بين البابين ، نعم سلفهم بعض متأخري المتكلمين الذين لا عناية لهم بما جاء عن الله ورسوله وأصحابه ؛ بل يصدون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة ، ويحيلون عن آراء المتكلمين ، وقواعد المتكلفين ، فهم الذين يعرف عنهم التفريق بين الأمرين ، فإنهم قسموا الدين إلى مسائل علمية وعملية وسموها أصولا وفروعا وقالوا الحق في مسائل الأصول واحد ، ومن خالفه فهو كافر أو فاسق ، وأما مسائل الفروع فليس لله تعالى فيها حكم معين ولا يتصور فيها الخطأ وكل مجتهد لحكم الله تعالى الذي هو حكمه ، وهذا التقسيم لو رجع إلى مجرد الاصطلاح لا يتميز به ما سموه أصولا مما سموه فروعا فكيف وقد وضعوا عليه أحكاما وضعوها بعقولهم وآرائهم ، (منها) التكفير بالخطإ فى مسائل الأصول دون مسائل الفروع ، وهذا من أبطل الباطل كما سنذكره ، (ومنها): إثبات الفروع بأخبار الآحاد دون