عليه كل أحد ، فما كل من عرف الشيء بدليله أمكنه تقريره بجميع مقدماته والتعبير عنه ولا دفع المعارض له. فإن كان العجز عنه تقليدا كان جمهور الأمة مقلدين في التوحيد وإثبات الرسالة والمعاد ، وإن يكن العجز عنه تقليدا لم يكونوا مقلدين في التوحيد وإثبات الرسالة والمعاد ، وإن لم يكن العجز عنه تقليدا لم يكونوا مقلدين في أكثر الأحكام العملية التي يحتاجون إليها ، وهذا هو الحق ، فإن جمهور الأمة مبني تعبداتها وتحريمها وتحليلها على ما علمته من نبيها بالضرورة ، وأنه جاء به ، ولو سئلت عن تقريره لعجز عنه أكثرهم كما يجزم بالتوحيد ، وأن الله فوق خلقه ، وأن القرآن كلامه ، وأنه يبعث من في القبور ، ولو سئل عن ذلك لعجز عنه أكثرهم.
* * *
(فصل)
وأما المقام السادس : وهو أن الظن المستفاد من أخبار رسول الله صلىاللهعليهوسلم على زعمهم أقوى من الجزم المستند إلى تلك القضايا الوهمية ، فهذا يعرفه من عرف هذا وهذا ، ومن لا خبرة له بالأمرين يسمعهم يقولون لقضاياهم الباطلة : قواطع عقلية وبراهين يقينية ، ويقولون لنصوص القرآن والسنة : ظواهر سمعية لا تفيد اليقين ، قد يقع له صحة قولهم تقليدا لهم وإحسانا للظن بهم ، واستنادا إلى بعض الشبه التي يذكرونها وأما المستبصر فيما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم وفيما عند القوم فإنه يجزم بالضرورة أن الأمر بخلاف ذلك ، وأن قضاياهم التي خالفوا فيها النصوص لا تفيد علما ولا ظنا البتة ، بل يقولون : صريح العقول والفطر تشهد بكذبها وبطلانها ، وإن اتفق عليها طائفة كثيرة ، فأكثر طوائف أهل الباطل جميعهم تجد كل طائفة منهم متفقين على ما هو معلوم الفساد بضرورة العقل وفطرة الله التي فطر الناس عليها ، فالمتكلمون كل طائفة منهم تشهد على مخالفيها بأنهم خالفوا صريح المعقول والفطرة ، وقد ذكرنا من ذلك طرفا فيما تقدم من هذا الكتاب مما خالف المتكلمون والفلاسفة صريح المعقول فيه.
والعجب أنك ترى كثيرا منهم يقطع بالقول ويكفر من خالفه ثم يقطع هو بخلافه أو يتوقف فيه ، وهذا كثير فيهم جدا.