قال أبو المظفر السمعاني : كل فريق من المبتدعة يعتقد أن ما يقوله هو الحق الذي كان عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، لأن كلهم يدعون شريعة الإسلام ملتزمون في الظاهر شعارها يرون أن ما جاء به محمد هو الحق غير أن الطرق تفرقت بهم بعد ذلك ، وأحدثوا في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم فزعم كل فريق أنه هو المتمسك بشريعة الإسلام ، وأن الحق الذي قام به رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو الذي يعتقده وينتحله.
غير أن الله تعالى أبى أن يكون الحق والعقيدة الصحيحة إلا مع أهل الحديث والآثار لأنهم أخذوا دينهم وعقائدهم خلفا عن سلف ، وقرنا عن قرن إلى أن انتهوا إلى التابعين وأخذه التابعون عن أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم وأخذه الصحابة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا طريق إلى معرفة ما دعا إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم الناس من الدين المستقيم والصراط القويم إلا هذا الطريق الذي سلكه أصحاب الحديث.
وأما سائر الفرق فطلبوا الدين بغير طريقه لأنهم رجعوا إلى معقولهم وخواطرهم وآرائهم ، فإذا سمعوا شيئا من الكتاب والسنة عرضوه على معيار عقولهم ، فإن استقام لهم قبلوه ، وإن لم يستقم في ميزان عقولهم ردوه ، فإن اضطروا إلى قبوله حرفوه بالتأويلات البعيدة والمعاني المستكرهة فحادوا عن الحق وزاغوا عنه ونبذوا الدين وراء ظهورهم ، وجعلوا السنة تحت أقدامهم.
وأما أهل السنة فجعلوا الكتاب والسنة أمامهم ، وطلبوا (الدين) من قبلها وما وقع لهم من معقولهم وخواطرهم وآرائهم عرضوه على الكتاب والسنة ، فإن وجدوه موافقا لهما قبلوه وشكروا الله حيث أراهم ذلك ووفقهم له ، وإن وجدوا مخالفا لهما تركوا ما وقع لهم وأقبلوا على الكتاب والسنة ، ورجعوا بالتهمة على أنفسهم ، فإن الكتاب والسنة لا يهديان إلا إلى الحق ، ورأي الإنسان قد يكون حقا وقد يكون باطلا.
وهذا قول أبي سليمان الدارني وهو أوحد أهل زمانه قال : ما حدثتني نفسي بشيء إلا طلبت عليه شاهدين من الكتاب والسنة ، فإن أتي بهما وألا رددته.
(قال) ومما يدل أن أهل الحديث على الحق أنك لو اطلعت جميع كتبهم