من عقولهم فأورثهم التفرق والاختلاف ، فإن النقل والرواية من الثقات والمتقنين قلما تختلف ، وإن اختلفت في لفظة أو كلمة فذلك الاختلاف لا يضر الدين ولا يقدح فيه. وأما المعقولات والخواطر ، والآراء فقلما تتفق ، بل عقل كل واحد ورأية وخاطره يري صاحبه غير ما يري الآخر.
قال وبهذا يظهر مفارقة الاختلاف في مسائل الفروع اختلاف العقائد في الأصول ، فإنا وجدنا أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورضي عنهم اختلفوا بعده في أحكام الدين ، فلم يتفرقوا ولم يكونوا شيعا ، لأنهم لم يفارقوا الدين ، ونظروا فيما أذن لهم فاختلفت أقوالهم وآراؤهم في مسائل كثيرة كمسألة الجد والمشركة وذوي الأرحام وأمهات الأولاد وغير ذلك ، فصاروا باختلاف في هذه الأشياء محمودين ، وكان هذا النوع من الاختلاف رحمة لهذه الأمة حيث أيدهم بالتوفيق واليقين ، ثم وسع على العلماء النظر فيما لم يجدوا حكمه ذي التنزيل والسنة ، وكانوا مع هذا الاختلاف أهل مودة ونصح ، وبقيت بينهم إخوة الإسلام ، ولم ينقطع عنهم نظام الألفة ، فلما حدثت هذه الأهواء المردية الداعية أصحابها إلى النار وصاروا أحزابا انقطعت الأخوة في الدين وسقطت الألفة ، وهذا يدل على أن التنائي والفرقة إنما حدث في المسائل المحدثة التي ابتدعها الشيطان ألقاها على أفواه أوليائه ليختلفوا ويرمي بعضها بعضا بالكفر ، فكل مسألة حدثت في الإسلام فخاض فيها الناس واختلفوا ، ولم يورث هذا الاختلاف بينهم عداوة ولا نقصا ولا تفرقا ، بل بقيت بينهم الألفة والنصيحة والمودة ، والرحمة والشفقة ، علمنا أن ذلك من مسائل الإسلام يجوز النظر فيها ، والآخر يقول من تلك الأقوال ما لا يوجب تبديعا ولا تكفيرا كما ظهر مثل هذا الاختلاف بين الصحابة والتابعين مع بقاء الألفة والمودة ، وكل مسألة حدثت فاختلفوا فيها فأورث اختلافهم في ذلك التولي والإعراض والتدابر والتقاطع ، وربما ارتقى إلى التكفير ، علمت أن ذلك ليس من أمر الدين في شيء ، بل يجب على كل ذي عقل أن يجتنبها ويعرض عن الخوض فيها.
إن لله تعالى شرطا في تمسكنا بالإسلام أن نصبح في ذلك إخوانا ، فقال