ثم نظرنا فرأينا فرقة أصحاب الحديث لها أطلب وفيها أرغب ، ولها أجمع ، ولأصحابها أتبع ، فعلمنا يقينا أنهم أهلها دون من عداهم من جميع الفرق ، فإن صاحب كل حرفة أو صناعة إن لم يكن معه دلالة أو آلة من آلات تلك الصناعة والحرفة ثم ادعى تلك الصناعة كان في دعواه مبطلا ، فإذا كانت معه آلات الصناعة والحرفة شهدت له تلك الآلات بضاعة ، بل شهد له كل من غايته قبل الاختبار ، كما إذا رأيت رجلا قد فتح باب دكانه على بز علمت أنه بزاز ، أو على تمر علمت أنه تمار ، أو على عطر علمت أنه عطار ، أو إذا رأيت بين يديه الكير والسندان والمطرقة علمت أنه حداد ، وكل صاحب صنعة يستدل على صناعته بآلته فحكم له بها بالمعاينة من غير اختيار ، فلو رأيت بين يدي إنسان قدوما أو منشارا ومثقبا وهو مستعد للعمل بها ثم سميته خياطا جهلت ، ولو قال صاحب التمر لصاحب العطر : أنا عطار وصاحب البناء للبزاز : أنا بزاز قال له كذبت وصدقه الناس علي تكذيبه ، ثم كل صاحب صنعة وحرفة يفتخر بصناعته ويجالس أهلها ويألفهم ويستفيد منهم ويحرص على بلوغ الغاية في صناعته ، وأن يكون فيها أستاذا ، ورأينا أصحاب الحديث قديما وحديثا هم الذين رحلوا في هذه الآثار وطلبوا فأخذوها من معادنها وحفظوها واغتبطوا بها ودعوا إلى اتباعها ، وعابوا من خالفهم وكثرت عندهم وفي أيديهم ، حتى اشتهروا بها كما يشتهر أصحاب الحرف والصناعات بصناعتهم وحرفهم ، ثم رأينا قوما انسلخوا من حفظها ومعرفتها وتنكبوا عن اتباع صحيحها وشهيرها ، وغنوا عن صحبة أهلها ، وطعنوا فيها وفيهم ، وزهدوا الناس في حقها وضربوا لها ولأهلها أسوأ الأمثال ، ولقبوهم أقبح الألقاب ، فسموهم نواصب ومشبهة وحشوية ومجسمة ، فعلمنا بهذه الدلائل الظاهرة والشواهد القائمة أن أولئك أحق بها من سائر الفرق.
ومعلوم أن الاتباع هو الأخذ بسنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم التي صحت عنه والخضوع لها والتسليم لأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ووجدنا أهل الأهواء بمعزل عن ذلك ، فهذه علامة ظاهرة ودليل واضح يشهد لأهل السنة باستحقاقها ، وعلى أهل البدع والأهواء بأنهم ليسوا من أهلها.
(قلت) ولهم علامات أخر منها : أن أهل السنة يتركون أقوال الناس لها ،