فهذا تصريح بقول أصحاب وحدة الوجود ، وأنه ليس لهذا العالم إله مباين له ، منفصل عنه. وهذا أكفر أقوال أهل الأرض. فإن كان غيره فإما أن يكون قائما بنفسه ، أو قائما بالعالم؟ فإن كان قائما بالعالم ، فهو جزء من أجزائه أو صفة من صفاته. وليس هذا بقيوم السماوات والأرض. وإن كان قائما بنفسه. وقد علم أن العالم قائم بنفسه فذاتان قائمتان بأنفسهما ليست إحداهما داخلة في الأخرى ، ولا خارجة عنها ؛ ولا متصلة بها ، ولا منفصلة عنها ، ولا محايثة ولا مباينة ، ولا فوقها ؛ ولا تحتها ؛ ولا خلفها ، ولا أمامها ؛ ولا عن يمينها ، ولا عن شمالها ، كلام له خبىء لا يخفي على عاقل منصف. والبديهة الضرورية حاكمة باستحالة هذا ؛ بل باستحالة تصوره فضلا عن التصديق به.
قالوا : فنحن نطالبكم بجواب صحيح عن هذا الدليل الواحد من جملة ألف دليل ونعلم قبل المطالبة أن كل الجهميين على وجه الأرض لو اجتمعوا لما أجابوا عنه بغير المكابرة والتشنيع على أهل الإثبات بالتجسيم والسب ، هذه وظيفة كل مبطل قامت عليه حجة الله تعالى.
* * *
فصل
في بيان أن التأويل شر من التعطيل
فإنه يتضمن التشبيه والتعطيل والتلاعب بالنصوص ، وإساءة الظن بها ، فإن المعطل والمؤول قد اشتركا في نفي حقائق الأسماء والصفات ، وامتاز المؤول بتلاعبه بالنصوص وإساءة الظن بها ونسبة قائلها إلى التكلم بما ظاهره الضلال والإضلال فجمعوا بين أربعة محاذير اعتقادهم أن ظاهر كلام الله ورسوله محال باطل ؛ فعرفوا التشبيه أولا. ثم انتقلوا منه إلى المحذور الثاني وهو التعطيل ، فعطلوا حقائقها بناء منهم على ذلك الفهم الذي لا يليق بهم ولا يليق بالرب سبحانه ، المحذور الثالث : نسبة المتكلم الكامل العلم ، الكامل البيان ، التام