فما قلت وسمعت أهل العلم غيرك في كل بلد يقولون فيما ادعى من ذلك؟ قال : ما سمعت منهم أحدا أذكر قوله إلا عاتبا لذلك ، وأن ذلك عندى لمعيب. ثم قال بعد ذلك أو ما كفاك عيب الإجماع أن لم يرو عن أحد بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعوى الإجماع إلا فيما لا يختلف فيه أحد إن كان أهل زمانك هذا. قال فقد ادعاه بعضكم أفحمدت ما ادعاه منه؟ قال : لا. قلت : فكيف صرت إلى أن تدخل فيما ذممت في أكثر ما عبت ، ألا يستدل من طريقك أن الإجماع هو ترك ادعاء الإجماع ، وهذا كثير في كلامه رحمهالله.
والمقصود أن أئمة الإسلام لم يزالوا ينكرون على من رد سنن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بكونه لا يعلم بها قائلا ويزعم أن ذلك إجماع ، ولا يتوقف العمل بالحديث على أن يعلم من عمل به من الأمة ، بل هو حجة بنفسه عمل به أو لم يعمل ويمكن أن تجتمع الأمة على ترك العمل به البتة ، بل لا بد أن يكون في الأمة من ذهب إليه وإن خفى عن كثير من أهل العلم قوله.
* * *
فصل
(ليس في السنة ما يخالف الإجماع)
ونحن نقول قولا كليا نشهد الله تعالى عليه وملائكته أنه ليس في حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما يخالف القرآن ولا ما يخالف العقل الصريح ، بل كلامه بيّن للقرآن ؛ وتفسير له ؛ وتفصيل لما أجمله ، وكل حديث من رد الحديث لزعمه أنه يخالف القرآن فهو موافق للقرآن مطابق له ، وغايته أن يكون زائدا على ما في القرآن ، وهذا الذي أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقبوله ونهى عن رده بقوله : «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري فيقول لا أدري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه» (١) فهذا الذي وقع من وضع قاعدة باطلة له لرد الأحاديث بها بقولهم في كل حديث زائد علي ما في القرآن : هذا زيادة على النص ، فيكون
__________________
(١) تقدم تخريجه.