الدراهم المجهولة على أخبر الناقدين فما حكم بصحته فهو منها المقبول ، وما حكم برده فهو المردود.
فصل
في أن قصد المتكلم من المخاطب حمل كلامه على خلاف ظاهره
وحقيقته ينافي قصد البيان والإرشاد. وأن القصدين يتنافيان. وإن تركه
بدون ذلك الخطاب خير له وأقرب إلى السداد
لما كان المقصود بالخطاب دلالة السامع وإفهامه مراد المتكلم من كلامه وأن يبين له ما في نفسه من المعاني وأن يدله على ذلك بأقرب الطرق ؛ كان ذاك موقوفا على أمرين : بيان المتكلم ؛ وتمكن السامع من الفهم. فإن لم يحصل البيان من المتكلم ، أو حصل ولم يتمكن السامع من الفهم ، لم يحصل مراد المتكلم ، فإذا بين المتكلم مراده بالألفاظ الدالة على مراده ولم يعلم السامع معاني تلك الألفاظ ، لم يحصل له البيان ، فلا بد من تمكن السامع من الفهم وحصول الإفهام من المتكلم. وحينئذ فلو أراد الله ورسوله من كلامه خلاف حقيقته وظاهره الذي يفهمه المخاطب لكان قد كلفه أن يفهم مراده بما لا يدل عليه ، بل بما يدل على نقيض مراده وأراد منه فهم النفي لما يدل على غاية الإثبات ، وفهم الشيء بما يدل على ضده ، وأراد منه أن يفهم أنه ليس فوق العرش إله يعبد ، وأنه لا داخل العالم ، ولا خارجه ، ولا فوقه ؛ ولا تحته ، ولا خلفه ، ولا أمامه ؛ بقوله : (قُلْ هُوَ اللهُ) (الإخلاص : ٢١) وقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١) وأراد النبي صلىاللهعليهوسلم إفهام أمته هذا المعنى بقوله : «لا تفضلوني على يونس بن متى» (١) وأراد إفهام كونه خلق آدم بقدرته ومشيئته بقوله :
__________________
(١) وأخرجه البخاري (٣٤١٢) عن ابن مسعود يرفعه بلفظ : «لا يقولن أحدكم إنى خير من يونس» زاد مسدد : «يونس بن متى» ، ورواه (٣٤١٣) عن ابن عباس يرفعه بلفظ : «ما ينبغى لعبد أن يقول إنى خير من يونس بن متى ، ونسبه إلى أبيه».