قدح في رب العالمين ، وأى مسبة أعظم من ذلك؟ فأخذ الكلام منه ما أخذ ، وقال حاشا لله أن تقول فيه هذه المقالة ؛ بل هو نبي صادق. كل من اتبعه فهو سعيد وكل منصف منا يقر بذلك ويقول : أتباعه سعداء في الدارين. قلت : فما يمنعك من الظفر بهذه السعادة؟ فقال : وأتباع كل نبى من الأنبياء. فأتباع موسى أيضا سعداء قلت : فإذا أقررت أنه نبي صادق ، وقد كفر من لم يتبعه. فإن صدقته في هذا وجب عليك اتباعه ، وإن كذبته فيه لم يكن نبيا ، فكيف يكون أتباعه سعداء؟ فلم يحر جوابا ، وقال حدثنا في غير هذا (١).
فصل
في بيان أن تيسير القرآن للذكر ينافي حمله على التأويل
المخالف لحقيقته وظاهره
أنزل الله الكتاب شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ، ولذلك كانت معانيه أشرف المعاني ، وألفاظه أفصح الألفاظ وأبينها ، وأعظمها مطابقة لمعانيها المرادة منها ، كما وصفه الله تعالى بقوله (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (الفرقان : ٣٣) فالحق هو المعنى والمدلول الذي تضمنه
__________________
(١) وقال في «هداية الحيارى» : فقلت له وأنا وهو خاليين : ما يمنعك الآن من اتباع الحق؟ فقال لي : إذا قدمت على هؤلاء الحمير ـ هكذا لفظه ـ فرشوا لنا الشقاف تحت حوافر دابتي وحكموني في أموالهم ونسائهم ولم يعصوني فيما آمرهم به ، وأنا لا أعرف صنعة ولا أحفظ قرآنا ولا نحوا ولا فقها ، فلو أسلمت لدرت في الأسواق أتكفف الناس ، فمن الذي يطيب نفسا بهذا؟! فقلت هذا لا يكون ، وكيف تظن بالله إنك إذا آثرت رضاه على هواك يخزيك ويذلك ويحوجك؟! لو فرضنا أن ذلك أصابك فما ظفرت به من الحق والنجاة من النار ومن سخط الله وغضبه ؛ فيه أتم العوض عما فاتك ، فقال : حتى يأذن الله ، فقلت : القدر لا يحتج به ، ولو كان القدر حجة لكان حجة لليهود على تكذيب المسيح ؛ وحجه للمشركين على تكذيب الرسل ، ولا سيما أنتم تكذبون بالقدر فكيف تحتج به؟! فقال : دعنا الآن من هذا ـ وأمسك.