فصل
اشتمال الكتب الإلهية على الأسماء والصفات
أكثر من اشتمالها على ما عداه
وذلك لشرف متعلقها وعظمته ، وشدة الحاجة إلى معرفته. فكانت الطرق إلى تحصيل معرفته أكثر وأسهل وأبين من غيره. وهذا من كمال حكمة الرب تبارك وتعالى وتمام نعمته وإحسانه ؛ أنه كلما كانت حاجة العباد إلى الشيء أقوى كان بذله لهم أكثر وأسهل. وهذا في الخلق والأمر. فإن حاجتهم لما كانت إلى الهواء أكثر من الماء في القوت كان موجودا معهم في كل مكان وزمان ، وهو أكثر من غيره وكذلك لما كانت حاجتهم إلى الماء شديدة ، إذ هو مادة أقواتهم وفواكههم وشرابهم كان مبذولا لهم أكثر من غيره. وهكذا الأمر في مراتب الحاجات. ومعلوم أن حاجتهم إلى معرفة ربهم وفاطرهم فوق مراتب هذه الحاجات كلها ، فإنه لا سعادة لهم ولا فلاح ولا صلاح ولا نعيم إلا بأن يعرفوه ويعتقدوه ، ويكون هو وحده غاية مطلوبهم ، والتقريب إليه قرة عيونهم. فمتى فقدوا ذلك كانوا أسوأ حالا من الأنعام ، وكانت الأنعام أطيب عيشا منهم في العاجل وأسلم عاقبة في الآجل.
وإذا علم أن ضرورة العبد إلى معرفة ربه فوق كل ضرورة كانت العناية ببيانها أيسر الطرق وأهداها وأبينها ، وإذا سلط التأويل على النصوص المشتملة عليها فتسليطه على النصوص التى ذكرت فيها الملائكة أقرب بكثير ، فإن الله تعالى لم يذكر لعباده من صفة ملائكته وشأنهم وأفعالهم عشر معشار ما ذكر لهم من نعوت جلاله وصفات كماله. فإذا كانت هذه قابلة للتأويل فالآيات التي ذكر فيها الملائكة أولى بذلك. ولذلك تأولها الملاحدة كما تأولوا نصوص المعاد واليوم الآخر ، وأبدوا لها تأويلات ليست بدون تأويلات الجهمية لنصوص الصفات. وأولت هذه الطائفة عامة نصوص الأخبار الماضية والآتية. وقالوا للجهمية :