بيننا وبينكم حاكم العقل. فإن القرآن ، بل الكتب المنزلة ، مملوءة بذكر الفوقية وعلو الله على عرشه ، وأنه تكلم ، ويتكلم وأنه موصوف بالصفات وأن له أفعالا تقوم به ؛ هو بها فاعل ، وأنه يرى بالأبصار ، إلى غير ذلك من نصوص آيات الصفات وأخبارها التي إذا قيس إليها نصوص حشر هذه الأجساد وخراب هذا العالم وإعدامه وإنشاء عالم آخر ، وجدت نصوص الصفات أضعاف أضعافها ، حتى قيل : إن الآيات والأخبار الدالة على علو الرب على خلقه واستوائه على عرشه تقارب الألوف ، وقد أجمعت عليها الرسل من أولهم إلى آخرهم ، فما الذي سوغ لكم تأويلها : وحرم علينا تأويل نصوص حشر الأجساد وخراب العالم؟
فإن قلتم : الرسل أجمعوا على المجىء به ، فلا يمكن تأويله ، قيل : وقد أجمعوا أنه استوى فوق عرشه ، وأنه تكلم ومتكلم ، وأنه فاعل حقيقة موصوف بالصفات ، فإن منع إجماعهم هناك من التأويل وجب أن يمنع هنا.
فإن قلتم : أوجب تأويل نصوص آيات الصفات ولم يوجب تأويل نصوص المعاد. قلنا : هاتوا أدلة العقول التي تأولتم بها الصفات ، ونحضر أدلة العقول التي تأولنا بها المعاد وحشر الأجساد ، ونوازن بينها ليتبين أيها أقوى.
فإن قلتم : إنكار المعاد تكذيب لما علم من الإسلام بالضرورة. قلنا : أيضا إنكار صفات الرب وأنه يتكلم. وأنه فوق سماواته ، وأن الأمر ينزل من عنده تكذيب لما علم أنهم جاءوا به ضرورة.
فإن قلتم : تأويلنا للنصوص التي جاءوا بها لا يستلزم تكذيبهم. قلنا : فمن أين صار تأويلنا للنصوص التي جاءوا بها في الميعاد يستلزم تكذيبهم دون تأويلكم : المجرد التشهي؟
فصاحت القرامطة والملاحدة والباطنية (١) وقالوا : ما الّذي سوغ لكم تأويل
__________________
(١) ظهرت دعوة الباطنية في أيام المأمون من : حمدان قرمط ، ومن عبد الله بن ميمون القداح وليست الباطنية من فرق ملة الإسلام ، بل هى من فرق المجوس ، وقال صاحب :