الأخبار وحرم علينا تأويل الأمر والنهي والتحريم والإيجاب ، ومورد الجميع عن مشكاة واحدة؟ قالوا : وأين تقع نصوص الأمر والنهي من نصوص الخبر؟ قالوا : وكثير منكم قد فتحوا لنا باب التأويل في الأمر ، فأولوا أوامر ونواهي كثيرة وصريحة الدلالة أو ظاهرة الدلالة في معناها بما يخرجها عن حقائقها. فهلم نضعها في كفة ونضع تأويلاتنا في كفة ونوازن بينها ، ونحن لا ننكر أنّا أكثر تأويلا منهم ، ولكنا وجدنا بابا مفتوحا فدخلناه.
فهذا من شؤم جناية التأويل على الإيمان والإسلام.
* * *
فصل
(إبليس أول من جاء بالتأويل الفاسد) (١)
وقد قيل : إن طرد إبليس ولعنه إنما كان بسبب التأويل ، فإنه عارض النص بالقياس وقدمه عليه ، وتأول لنفسه أن هذا القياس العقلي مقدم على نص الأمر بالسجود ، فإنه قال (أنا خير منه) وهذا دليل قد حذفت إحدى مقدمتيه ، وهى : إن الفاضل لا يخضع للمفضول ، وطوى ذكر هذه المقدمة كأنها صورة معلومة. وقرر المقدمة الأولى بقوله : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (الأعراف : ١٢) فكان نتيجة المقدمتين امتناعه من السجود. وظن أن هذه الشبهة العقلية تنفعه بتأويله ؛ فجرى عليه ما جرى. وصار إماما لكل من عارض نصوص الوحي بتأويله إلى يوم القيامة (٢).
__________________
ظاهر ، وقد تلاعب بهم إبليس ، فبالغ وحسّن لهم مذاهب مختلفة ، ولهم ثمانية أسماء : الباطنية ـ الإسماعيلية ـ السبعية ـ البابكية ـ المحمرة ـ القرامطة ـ الخرمية ـ التعليمية ـ وراجع طرقهم وحيلهم في إبطال عقائد المسلمين ـ المصدر المذكور.
(١) انظر في ذلك أيضا الوجه (٣١ ، ٣٢) (ص ٢١٥) وما بعدها ، (ص ٢٨٨) وما بعدها.
(٢) قال الإمام ابن مفلح المقدسى رحمهالله : هذا القياس لإبليس باطل من وجوه :
أحدها : أنه قياس في مقابلة النص ، الثاني : قوله (أنا خير منه) كذب ومستند باطل فإنه لا يلزم من تفضيل مادة على مادة المخلوق منها على المخلوق من الأخرى ، فإن من كمال قدرة الله سبحانه وتعالى أن يخلق من المادة المفضولة ما هو أفضل من المخلوق