فصل
في بيان ما يقبل التأويل من الكلام وما لا يقبله
لما كان وضع الكلام للدلالة على مراد المتكلم ؛ وكان مراده لا يعلم إلا بكلامه ، انقسم كلامه ثلاثة أقسام ؛ أحدها ما هو نص في مراده لا يقبل محتملا غيره والثاني : ما هو ظاهر في مراده وإن احتمل أن يريد غيره ، الثالث : ما ليس بنص ولا ظاهر في المراد بل هو محتمل محتاج إلى البيان.
فالأول : يستحيل دخول التأويل فيه ، إذ تأويله كذب ظاهر على المتكلم ، وهذا شأن عامة نصوص القرآن الصريحة في معناها ، خصوصا آيات الصفات والتوحيد. وأن الله مكلم ، متكلم. آمر ، ناه ؛ قائل ، مخبر ، موجد ، حاكم ، واعد ، موعد ، مبين ، هاد ، داع إلى دار السلام ، وأنه تعالى فوق عباده ، عال على كل شيء ، مستوى على عرشه ، ينزل الأمر من عنده ويعرج إليه ، وأنه فعال حقيقة ، وأنه كل يوم في شأن فعال لما يريد ، وأنه ليس للخلق من دونه وليّ ولا شفيع يطاع ولا ظهير ، وأنه المتفرد بالربوبية والتدبير والقيومية (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) وأنه يسمع الكلام الخفي كما يسمع الجهر ، ويرى ما في السماوات والأرض ، ولا تخفي عليه منها ذرة واحدة. وأنه على كل شيء قدير ، ولا يخرج مقدور واحد عن قدرته البته ، كما لا يخرج عن علمه وتكوينه ، وأن له ملائكة مدبرة بأمره للعالم تصعد وتنزل وتتحرك وتنتقل من مكان إلى مكان ، وأنه يذهب بالدنيا ويخرب هذا العالم ويأتي بالآخرة ، ويبعث من في القبور ، إلى أمثال ذلك من النصوص التي هي في الدلالة على مرادها كدلالة لفظ العشرة والثلاثة على مدلولها ، وكدلالة لفظ الشمس والقمر والليل والنهار والبر والبحر والخيل والبغال والإبل والبقر والذكر والأنثى على مدلولها ، لا فرق بين ذلك البتة.
__________________
خلاف ما أمر الله به وكان الواجب أن يحمل أمر ربه على ظاهره ، ولكن تأول وأراد الخير فلم يصبه ، لو فعل هذا عالم من علماء المسلمين لكان مأجورا ، ولكن آدم لما فعل وأخرج عن الجنة إلى الدنيا كان بذلك ظالما لنفسه ، وقد سمى الله قاتل الخطأ قاتلا كما سمى العامد ، والمخطئ يتعمد معصية ، وجعل في قتل الخطأ عتق رقبة ، وهو لم يعمد ذنبا ا ه.