المبحث الثاني أدوار الفكر الأصولي
مقدمة : إن معيار الدور بحسب تصورنا لا يرتبط بالمرحلة الزمنية للعلم ، إذ ربما تمر المرحلة الزمنية من دون حصول أي تطور وتجديد في مسيرة العلم وتكامله ، وإنما معيار الدور المتميز عن غيره من الأدوار هو ببروز النظريات المتطورة التي تدفع بمسيرة الفكر للأمام ، وهذا إنما يحدث عادة نتيجة التنافس العلمي والمبارزات الثقافية ، فكما أن المجتمعات تترقى في سلم الحضارة نتيجة التنافس الاقتصادي والثقافي فيما بينها ، فكذلك تطور أي فكر كان يحتاج لنوع من الصراع الحاد بين أقطاب هذا الفكر ليساهم ذلك الصراع في بلورة النظريات وتجددها ، وعلى هذا الأساس ـ أي أساس صراع الأفكار ـ سنحدد أدوار الفكر الأصولي عند الشيعة الإِمامية .
الدور الأول : وهو عبارة عن موقف علماء الشيعة من المدارس الفكرية الأخرى ومن العلماء الشيعة المتأثرين بهذه المدارس .
بيان ذلك : إن هناك مدرستين متصارعتين في مجال
تحديد الحكم الشرعي ، وهما : مدرسة الرأي ومدرسة الحديث ، فمدرسة الرأي بدأت شرارتها من بعض الصحابة والخلفاء الذين منعوا من تدوين السنة لأهداف سياسية معينة وأخذوا بآرائهم وتصوراتهم الشخصية فيما يناسب المصلحة العامة ، وامتدت هذه المدرسة للقرن الثاني حيث كانت هي الطابع العام للعراقيين أتباع أبي حنيفة الذين قالوا بحجية القياس والاستحسان والتزموا بالنقد الداخلي للأحاديث بمقارنتها مع الأصول العامة في الإِسلام ، وأما مدرسة