على هذه المراحل المخططة عقلاً بخلاف العلاقة الوضعية اللغوية بين اللفظ والمعنى فإنها مرحلة راقية للتطور الابداعي عند الانسان . ولعل الآية الكريمة : ( خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ) (١) تشير لهذه النقطة ، حيث اعتبرت البيان نعمة خاصة بالانسان مع أن الأصوات الخاصة بالحيوانات والحركات التي يقوم بها للتعبير عن حالاته النفسية والجسمية نوع من البيان ، فلماذا خص الله نعمة البيان بالانسان ؟
فلعل في ذلك اشارة الى ان بيانية اللغة البشرية أعمق وأرسخ من بيانية بقية الأصوات الحيوانية في الدلالة على المقاصد ، وعمق البيانية يتقوم برسوخ العلاقة بين اللفظ والمعنى بحيث تعد مرحلة أرقى من مرحلة التلازم والسببية الموجودة حتى في لغة الحيوانات وبقية الملازمات ، وهي مرحلة الهوهوية والاتحاد .
وإذا تأملنا في الفرق بين اشارات الأخرس ولغة الفصيح ـ مع أن كليهما مندرج تحت عنوان الدلالة ـ وجدنا أن بيانية اللفظ لمعناه أرسخ وأقوى من بيانية الاشارة الصادرة من الأخرس لنفس المعنى مع وجود قانون السببية فيها بناءاً على نظرية تداعي المعاني ، مما يكشف عن كون العلاقة الوضعية أرقى من علاقة السببية ، وهي علاقة الهوهوية .
الشاهد الثاني : ويتضمن أمرين :
أ ـ إن حركة الذهن على لونين :
١ ـ حركة الاستنتاج .
٢ ـ حركة الاستمتاع والاستذكار .
فأما حركة الاستنتاج فهي حركة تصديقية تستتبع جزماً واعتقاداً ، لأنها انتقال من المقدمات للنتائج كحل المسائل الرياضية أو القانونية وشبهها ، وهذه
__________________
(١) الرحمن ٥٥ : ٣ و ٤ .