للاستنتاج لاستغنى عنها بعد حضور المعاني وتمت الانتقالات بعد ذلك بين المعاني نفسها بدون الألفاظ ، اذ الهدف من خطور اللفظ سببيته لخطور المعنى فلا حاجة له بعد حضور المعنى ، مع أن هذه الانتقالات لا يمكن تحققها بدون الألفاظ .
فلا محالة يكون علاقة اللفظ هنا بالمعنى المعلوم علاقة الهوهوية والاتحاد ، والا فإن علاقة السببية بين اللفظ والمعنى لو كانت موجودة في هذه الصورة أيضاً مع خطور المعاني وحضورها في الذهن وعدم حاجتها للألفاظ فهي من باب تحصيل الحاصل وهو محال ، إذ الغاية من تصورها هو تصور المعاني والمفروض أن المعاني متصورة حاضرة ، فلا بد أن تكون علاقة اللفظ بهذه المعاني المعلومة علاقة الهوهوية والاتحاد التي لا تتأثر بحضور المعاني وخطورها .
الشاهد الثالث : لقد ذكر علماء النفس أن طريقة التفكير ترتبط ارتباطاً وثيقاً باللغة المستخدمة عند التفكير ، فإن اللغات العالمية لا تختلف اختلافاً لفظياً فقط بل ان كل لغة تتضمن بين ثناياها طريقة معينة للتفكير والتحليل ، فمثلاً كثير من اللغات تختلف عن اللغة العربية في تقديم المسند على المسند اليه بعكس اللغة العربية وهذا له تأثير كبير في طريقة التفكير والتحليل الذهني .
كما أن اللغة الفارسية واليونانية تستلزم تصور القضايا الحملية علىٰ أنها من باب ثبوت شيء لشيء ، لذلك يذكر فيها الرابط بين الموضوع والمحمول وهو ( است أو استين ) ، بينما اللغة العربية تصور للذهن أن القضية الحملية من باب الهوهوية بين الموضوع والمحمول نحو زيد قائم ، ولذلك عندما يعبرون عن نسبة الربط فيها يذكرون ضمير الشأن وهو ـ لفظ هو ـ .
ومما
لا شك فيه أن تصور القضية على النحو الأول يختلف عن تصورها على النحو الثاني ، فلو كان ارتباط اللفظ بالمعنى ارتباط السبب بالمسبب لم نجد تلازماً بين طبيعة اللغة وطريقة التفكير ، إذ شأن اللفظ حينئذٍ اخطار المعنى فقط