أهميّة الغدير في التاريخ
لا يستريب أيّ ذي مُسْكة (١) في أنَّ شرف الشيء بشرف غايته ، فعليه أنَّ أوّل ما تكسبه الغايات أهميّة كبرىٰ من مواضيع التاريخ هو ما أُسِّس عليه دين ، أو جرت به نِحلة ، واعتلت عليه دعائمُ مذهب ، فدانت به أُمم ، وقامت به دول ، وجرىٰ به ذكرٌ مع الأبد ، ولذلك تجد أئمة التاريخ يتهالكون في ضبط مبادئ الأديان وتعاليمها ، وتقييد ما يتبعها من دعايات ، وحروب ، وحكومات ، وولايات ، التي عليها نَسَلت الحُقُب والأعوام ، ومضت القرون الخالية ( سُنَّةَ اللَّـهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا ) (٢) ، وإذا أهمل المؤرِّخ شيئاً من ذلك فقد أوجد في صحيفته فراغاً لا تسدّه أيّة مهمّة ، وجاء فيها بأمر خِداج (٣) ؛ بُتِر أوّلُه ، ولا يُعلم مبدؤه ، وعسىٰ أن يوجب ذلك جهلاً للقارئ في مصير الأمر ومنتهاه.
إنَّ واقعة غدير خُمّ هي من أهمّ تلك القضايا ؛ لما ابتنىٰ عليها ـ وعلىٰ كثير من الحُجج الدامغة ـ مذهبُ المقتصِّين أثر آل الرسول ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ وهم معدودون بالملايين ، وفيهم العلم والسؤدد ، والحكماء ، والعلماء ، والأماثل ، ونوابغ في علوم الأوائل والأواخر ، والملوك ، والساسة ، والأمراء ، والقادة ، والأدب الجمّ ،
___________________________________
(١) أي ذي رأي وعقل وافر.
(٢) الأحزاب : ٦٢.
(٣) الخِداج : النقصان في كلّ شيء ، وأصل ذلك من خداج الناقة إذا ولدت ولداً ناقص الخلق.