وكان في الحاضرين من يُخفي شهادته حَنَقاً أو سَفَهاً ، كما مرّت الإشارة إليه في غير واحد من الأحاديث وسيمرُّ عليك التفصيل ، وقد بلغ من رواه ـ والحال هذه ـ هذا العدد الجمّ ، فكيف به لو تُزاح عنه تلكم الحواجز ؟! فبذلك كلّه تعلم مقدار شهرة الحديث وتواتره في هاتيك العصور المتقادمة.
وأمّا اختلاف عدد الشهود في الأحاديث فيحمل علىٰ أنَّ كلّاً من الرواة ذكر من عرفه أو التفت إليه ، أو من كان إلىٰ جنبه ، أو أنَّه ذكر من كان في جانبي المنبر ، أو في أحدهما ولم يلتفت إلىٰ غيرهم ، أو أنَّه ذكر من كان بدريّاً ، أو أراد من كان من الأنصار ، أو أنَّه لمّا علت عقيرةُ القوم بالشهادة ، وشخصت الأبصار والأسماع للتلقّي ، ووقعت اللجَبَة (١) ، كما هو طبع الحال في أمثاله من المجتمعات ، ذهل بعض عن بعض ، وآخر عن آخرين ، فنقل كلّ من يضبطه من الرجال. (٢)
ـ ٤ ـ مناشدة أمير المؤمنين عليهالسلام يوم الجمل سنة ( ٣٦ ) علىٰ طلحة
أخرج الحافظ الكبير أبو عبد الله الحاكم في المستدرك (٣) ( ٣ / ٣٧١ ) عن أبي الوليد وأبي بكر بن قريش ، قالا : حدّثنا الحسن بن سفيان ، حدّثنا محمد بن عبدة ،
___________________________________
(١) اللَّجَبَة : ارتفاع الأصوات واختلاطها.
(٢) والروايات بمجموعها توعز إلىٰ أنَّ المناشدة قد تكرّرت ، فتارة كانت من على المنبر ، ولا تكون إلّا داخل المسجد : فقام من كلّ جانب ستّة ، أو قام شهود كان اثنا عشر منهم بدريّاً ، كما في مسند أحمد : ٤ / ٣٧٠ ـ الطبعة القديمة ـ وفضائل الصحابة : ١١٦٧ ، والمختارة للضياء : ج ١ ق ٨٢ / أ ، والبداية والنهاية : ٥ / ٢١١.
وتارةً كانت بالرحبة أمام المسجد ، وهذه المرّة : قام ثلّة من الناس أو ناس من الناس أو ناس كثير أو ثلاثون من الناس ، كما وردت الروايات بكلّ منها. راجع مسند أحمد : ١ / ٨٨ و ١١٩ من الطبعة القديمة ، وأمالي المحاملي : ص ١٦٢ رقم ١٣٣ ، والبداية والنهاية : ٧ / ٣٤٨ ، وراجع الغدير في التراث الاسلامي : ص ١١. ( الطباطبائي )
(٣) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٤١٩ ح ٥٥٩٤.