ولكن ولهذه الغاية بعينها لم يبرح أئمّة الدين ـ سلام الله عليهم ـ يهتفون بهذه الواقعة ، ويحتجّون بها لإمامة سلفهم الطاهر ، كما لم يفتأ أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ بنفسه يحتجّ بها طيلة حياته الكريمة ، ويستنشد السامعين لها من الصحابة الحضور في حجّة الوداع في المنتديات ومجتمعات لفائف الناس ؛ كلّ ذلك لتبقىٰ غضّةً طريّةً بالرغم من تعاوُر الحُقُب والأعوام ؛ ولذلك أمروا شيعتهم بالتعيّد في يوم الغدير والاجتماع وتبادل التهاني والبشائر ؛ إعادةً لجِدّة هاتيك الواقعة العظيمة ، كما ستمرّ عليك تفاصيل هذه الجمل في هذا الكتاب ـ إن شاء الله تعالىٰ ـ فإلى الملتقىٰ.
وللإماميّة مجتمع باهر يوم الغدير عند المرقد العلويّ الأقدس ، يضمّ إليه رجالات القبائل ووجوه البلاد من الدانين والقاصين ؛ إشادةً بهذا الذكر الكريم ، ويروون عن أئمّة دينهم ألفاظ زيارةٍ مُطنَبة ، فيها تعدادُ أعلام الإمامة ، وحجج الخلافة الدامغة من كتاب وسنّة ، وتبسّط في رواية حديث الغدير ، فترىٰ كلّ فرد من أفراد تلكم الآلاف المؤلّفة يلهج بها ، رافعاً عقيرته ، مبتهجاً بما اختصّه الله من مِنْحة الولاية والهداية إلىٰ صراطه المستقيم ، ويرىٰ نفسه راوياً لتلك الفضيلة ، مثبتاً لها ، يَدين الله بمفادها ، ومن لم يُتَحْ له الحظوة بالمثول في ذلك المشعر المقدّس ، فإنّه يتلوها في نائية البلاد ، ويُومي إليه من مستقرّه. وليوم الغدير وظائف من صوم وصلاة ودعاء فيها هتاف بذكره ، تقوم بها الشيعة في أمصارها وحواضرها وأوساطها والقرىٰ والرساتيق (١) ، فهناك تجد ما يُعَدُّون بالملايين ، أو يُقدَّرون بثُلُث المسلمين أو نصفهم
___________________________________
= يا رسول الله. قال : من ؟ قلت : عمر بن الخطاب ، فسكت ، ثمّ تنفّس. قال : فقلت : ما شأنك يا رسول الله ؟ قال : نُعِيَتْ إليّ نفسي. فقلت : يا رسول الله استخلف. قال : من ؟ قلت : عليّ بن أبي طالب. قال : أوْهِ ، ولن تفعلوا إذاً أبداً ، واللهِ لئن فعلتموه ليُدخِلَنّكُم الجنّة ».
ورواه ابن كثير في البداية : ٧ / ٣٦٠ [ ٧ / ٣٩٧ حوادث سنة ٤٠ هـ ] عن الحاكم أبي عبد الله النيسابوري ، عن أبي عبد الله محمد بن عليّ الآدمي ، عن إسحاق الصنعاني ، عن عبد الرزّاق ، عن أبيه ، عن ابن ميناء ، عن عبد الله بن مسعود. ( المؤلف )
(١) الرساتيق : فارسي معرّب ، جمع رستاق ، وهي السواد.