الغدير في الكتاب العزيز
سلف الإيعاز منّا إلىٰ أنَّ المولىٰ سبحانه شاء أن يبقىٰ حديث الغدير غضّاً طريّاً لا يُبليه المَلَوان (١) ، ولا يأتي علىٰ جِدَّته مَرُّ الحقب والأعوام ، فأنزل حوله آيات ناصعة البيان ، ترتِّله الأمّة صباحاً ومساءً ، فكأنّه سبحانه في كلّ ترتيلة لآيٍ منها يَلفت نظر القارئ ، وينكت في قلبه ، أو ينقر في أُذُنه ما يجب عليه أن يدين الله تعاٰلى به في باب خلافته الكبرىٰ ، فمن الآيات الكريمة قوله تعالىٰ في سورة المائدة :
( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٢).
نزلت هذه الآية الشريفة يوم الثامن عشر من ذي الحجّة سنة حجّة الوداع (١٠ هـ ) لمّا بلغ النبيُّ الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم غديرَ خمّ ، فأتاه جبرئيل بها علىٰ خمس ساعات مضت من النهار ، فقال :
يا محمد إنَّ الله يُقرِئك السلام ، ويقول لك : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) في عليٍّ ( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) الآية.
وكان أوائل القوم ـ وهم مائة ألف أو يزيدون ـ قريباً من الجُحفة فأمره أن يردّ
___________________________________
(١) المَلَوان : الليل والنهار.
(٢) المائدة : ٦٧.