وذكر الطبري ـ أيضاً ـ في سبب نزول الآية عن القرظي : أنَّه كان النبيّ إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرة ظليلة يَقيل تحتها ، فأتاه أعرابيّ ، فاخترط سيفه ، ثمّ قال : من يمنعك مني ؟ قال : « الله ». فرعدت يد الأعرابيّ ، وسقط السيف منها.
قال : وضرب برأسه الشجرة حتىٰ انتثر دماغه ، فأنزل الله ( وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ). انتهىٰ.
وهو يناقض ما تقدّم من أنَّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يحتفّ به الحرس إلىٰ نزول الآية ، فمن المستبعد جدّاً وصول الأعرابي إليه وهو نائم ، والسيف معلَّق عنده ، والحرس حول قبّة النبيّ. علىٰ أنَّ لازمَ هذا التفريقُ في نزول الآية ؛ فإنّه ينصّ علىٰ أنَّ النازل بعد قصّة الأعرابي هو قوله تعالىٰ : ( وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) ، ولا مسانخة بين هذه القصّة وصدر الآية ، ومن المستصعب البخوع لما تفرّد به القرظي في مثل هذا.
وليس من المستحيل أن يكون قصّة الأعرابيّ من ولائد الاتّفاق (١) حول نصِّ الغدير ونزول الآية ، فحسب السذَّج أنَّها نزلت لأجلها ، وفي الحقيقة لنزولها سببٌ عظيمٌ هو أمر الولاية الكبرىٰ ، ولم تكُ هاتيك الحادثة بمهمّة تنزل لأجلها الآيات ، وكم سبقت لها ضروب وأمثال لم يُحتفل بها ، غيرَ أنَّ المقارنة بينها وبين نصّ الولاية ـ علىٰ تقدير صحّة الرواية ـ أوقعت البسطاء في الوهم.
وروى الطبريّ (٢) عن ابن جريج : أنَّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يهاب قريشاً ، فلمّا نزلت : ( وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) استلقىٰ ، ثمّ قال : « من شاء فليخذلني ». مرّتين أو ثلاثاً.
وأيّ وازعٍ من أن يكون الأمر الذي كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يهاب قريشاً لأجله هو نصّ الخلافة ، كما فصّلته الأحاديث الآنفة ؟ فليس هو بمضادّ لما نقوله.
___________________________________
(١) يريد قدسسره أنَّها وليدة الصدفة التي حدثت عند نصّ الغدير ونزول الآية.
(٢) جامع البيان : مج ٤ / ج ٦ / ٣٠٨.