وقال : ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ) (١) ، وإذ كان مناط الحكم إعراض الجميع لم تأتِهم الصاعقة بحصول المؤمنين فيهم ، ولو كانوا استمرّوا على الضلال جميعاً لأتاهم ما هُدّدوا به ، ولو كان وجود الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم مانعاً عن جميع أقسام العذاب بالجملة لما صحَّ ذلك التهديد ، ولَما أُصيب النفر الذين ذكرناهم بدعوته ، ولَما قُتل أحدٌ في مغازيه بعضبه الرهيف ، فإنَّ كلّ هذه أقسام العذاب أعاذنا الله منها.
الوجه الخامس : أنَّه لو صحَّ ذلك لكان آيةً كآية أصحاب الفيل ، ومثلها تتوفّر الدواعي لنقله ، ولَما وجدنا المصنِّفين في العلم من أرباب المسانيد والصحاح والفضائل والتفسير والسير ونحوها قد أهملوه رأساً ، فلا يُروىٰ إلّا بهذا الإسناد المنكر ، فعُلِم أنَّه كذبٌ باطلٌ.
الجواب :
إنَّ قياس هذه التي هي حادثة فرديّة لا تُحدِث في المجتمع فراغاً كبيراً يؤبه له ، ووراءها أغراض مستهدفة تحاول إسدال ستور الإنساء عليها ، كما أسدلوها علىٰ نصِّ الغدير نفسه ، وهملجوا (٢) وراء إبطاله حتىٰ كادوا أن يبلغوا الأمل بصور خلّابة ، وتلفيقات مموّهة ، وأحاديث مائنة ، بيدَ أنَّ الله أبىٰ إلّا أن يُتمّ نوره.
إنَّ قياسها بواقعة أصحاب الفيل تلك الحادثة العظيمة التي عدادها في الإرهاصات النبويّة ، وفيها تدمير أُمّة كبيرة يشاهد العالم كلّه فراغها الحادث ، وإنقاذ أُمّةٍ هي من أرقى الأُمم ، والإبقاء عليها وعلىٰ مقدّساتها ، وبيتها الذي هو مطاف الأُمم ، ومقصد الحجيج ، وتعتقد الناس فيه الخير كلّه والبركات بأسرها ، وهو يومئذٍ أكبر مظهر من مظاهر الصقع الربوبيّ.
إنَّ قياس تلك بهذه في توفّر الدواعي لِنقلها مجازفةٌ ظاهرةٌ ، فإنّ من حكم
___________________________________
(١) فصّلت : ١٣.
(٢) هملج : أسرع.