وفي مختصر بصائر الدرجات بالإسناد عن محمد بن العلاء الهمداني الواسطي ويحيى بن جريح البغداديِّ ، قالا ـ في حديث ـ : قصدنا جميعاً أحمد بن إسحاق القمّي صاحب الإمام أبي محمد العسكري ـ المتوفّىٰ ( ٢٦٠ ) ـ بمدينة قمّ ، وقرعنا عليه الباب ، فخرجت إلينا من داره صبيّة عراقيّة ، فسألناها عنه ، فقالت : هو مشغولٌ بعيده ، فإنّه يوم عيد ، فقلنا سبحان الله أعياد الشيعة أربعة : الأضحىٰ ، والفطر ، والغدير ، والجمعة ... الحديث.
ما عشتَ أراكَ الدهرُ عَجباً
إلىٰ هنا أوقفك البحث والتنقيب علىٰ حقيقة هذا العيد وصلته بالأمّة جمعاء ، وتقادم عهده المتّصل بالدور النبويِّ ، ثمّ جاء من بعده متواصل العُرىٰ من وصيّ إلىٰ وصيّ ، يُعلم به أئمّة الدين ، ويُشيد بذكره أُمناء الوحي ، كالإمامين أبي عبد الله الصادق وأبي الحسن الرضا بعد أبيهم أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليهم ـ وقد توفِّي هذان الإمامان ونُطَف البويهيّين لم تنعقد بعدُ ، وقد جاءت أخبارهما مرويّةً في تفسير فرات والكافي المؤلَّفين في القرن الثالث ، وهذه الأخبار هي مصادر الشيعة ومداركها في اتّخاذ يوم الغدير عيداً منذ عهد طائل في القِدَم ، ومنذ صدور تلكم الكَلِم الذهبيّة من معادن الحُكْم والحِكَم.
إذا عرفت هذا فهلمّ معي نسائل النويري والمقريزي عن قولهما : إنّ هذا العيد ابتدعه معزّ الدولة عليّ بن بويه سنة ( ٣٥٢ ). قال الأوّل في نهاية الأَرَب في فنون الأَدَب(١) ( ١ / ١٧٧ ) في ذكر الأعياد الإسلاميّة :
وعيد ابتدعته الشيعة ، وسمّوه عيد الغدير ، وسبب اتّخاذهم له مؤاخاة النبي صلىاللهعليهوسلم عليَّ بن أبي طالب يوم غدير خُمّ ، والغدير : تصبّ فيه عين وحوله شجر كثير ملتفّ بعضها ببعض ، وبين الغدير والعين مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، واليوم الذي ابتدعوا فيه هذا
___________________________________
(١) نهاية الأَرَب : ١ / ١٨٤.