وهلمّ معي إلىٰ أحد معاني ( المولى ) المتّفق علىٰ إثباته وهو المنعم عليه ، فإنّك تجده مخالفاً لأصله في مصاحبة ( علىٰ ) فيجب على الرازي أن يمنعه إلّا أن يقول : إنَّ مجموع اللفظ وأداته هو معنى المولىٰ لكن ينكمش منه في الأَولىٰ به لأمر ما دبّره بليل.
وهذه الحالة مطّردة في تفسير الألفاظ والمشتقّات وكثير من المترادفات علىٰ فرض ثبوت الترادف ، فيقال : أجحف به وجحفه ، أكبّ لوجهه وكبّه الله ، أحرس به وحرسه ، زريت عليه زرياً وأزريت به ، نسأ الله في أجله وأنسأ أجله ، رفقت به وأرفقته ، خرجت به وأخرجته ، غفلت عنه وأغفلته ، أبذيت القوم وبذوت عليهم ، أشلتُ الحجر وشلتُ به. كما يقال : رأمت الناقة ولدها أي عطفت عليه ، اختتأ له أي خدعه ، صلّىٰ عليه أي دعا له ، خنقته العبرة أي غصّ بالبكاء ، احتنك الجراد الأرض ، وفي القرآن ( لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ ) (١) ؛ أي أستولي عليها وأستوليَنّ عليهم ، ويقال : استولىٰ عليه ؛ أي غلبه وتمكّن منه ، وكلّها بمعنىً واحد ، ويقال : أجحف فلان بعبده أي كلّفه ما لا يُطاق.
وقال شاه صاحب في الحديث : إنَّ ( اولىٰ ) في قوله صلىاللهعليهوسلم : « ألستُ أَولىٰ بالمؤمنين من أنفسهم » مشتقٌّ من الولاية بمعنى الحبّ. انتهىٰ. فيقال : أَولىٰ بالمؤمنين ؛ أي أحبّ إليهم ، ويقال بصر به ونظر إليه ورآه ، وكلّها واحدٌ.
وأنت تجد هذا الاختلاف يطّرد في جلّ الألفاظ المترادفة التي جمعها الرمّاني ـ المتوفّىٰ ( ٣٨٤ ) ـ في تأليف مفرد في ( ٤٥ ) صحيفة ـ طبع مصر ( ١٣٢١ ) ـ ولم ينكر أحدٌ من اللغويّين شيئاً من ذلك لمحض اختلاف الكيفيّة في أداة الصحبة ، كما لم ينكروا بسائر الاختلافات الواردة من التركيب ، فإنّه يقال : عندي درهمٌ غير جيّد ، ولم يجُز : عندي درهمٌ إلّا جيِّد ، ويقال : إنَّك عالمٌ ، ولا يقال : إنَّ أنت عالم ، ويدخل ( الىٰ ) على المضمر ، دون حتىٰ مع وحدة المعنىٰ ، ولاحظ ( ام ) و ( او ) فإنّهما للترديد ، ويفرقان في
___________________________________
(١) الإسراء : ٦٢.