دينهم ودنياهم ، ومالك أمرهم وكالئ حوزتهم ، وحافظ كيانهم ، وأولىٰ بهم من أنفسهم ، فإنّه لو لم يفعل بهم ذلك لأجفلتهم الذئاب العادية ، وانتَأَشتْهم (١) الوحوش الكواسر ، ومُدّت إليهم الأيدي من كلِّ صَوب وحَدب ، فمن غارات تُشَنّ ، وأموال تُباح ، ونفوس تُزهَق ، وحُرمات تُهتَك ، فينتقض غرض المولىٰ من بثِّ الدعوة ، وبسط أديم الدين ، ورفع كلمة الله العليا ، بتفرّق هاتيك الجامعة ، فمن كان في المحبّة والنصرة علىٰ هذا الحدّ فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله ، والمعنىٰ علىٰ هذا الفرض لا يحتمل غير ما قلناه.
المعاني التي يمكن إرادتها من الحديث
لم يبقَ من المعاني إلّا الوليّ والأَولىٰ بالشيء والسيِّد ـ غير قسيميه : المالك والمُعتِق ـ والمتصرِّف في الأمر ومتولّيه.
أمّا الوليّ فيجب أن يراد منه خصوص ما يراد في ( الأَولىٰ ) لعدم صحّة بقيّة المعاني كما عرّفناكه ، وأمّا السيّد (٢) بالمعنى المذكور فلا يبارح معنى الأَولىٰ بالشيء ؛ لأنّه المتقدّم علىٰ غيره ، لا سيّما في كلمة يصف بها النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نفسه ، ثمّ ابن عمِّه علىٰ حذو ذلك ، فمن المستحيل حمله علىٰ سيادة حصل عليها السائد بالتغلّب والظلم ، وإنَّما هي سيادة دينيّة عامّة يجب اتِّباعها على المسُودين أجمع.
وكذلك المتصرِّف في الأمر ، ذكره الرازي في تفسيره (٣) ( ٦ / ٢١٠ ) عن القفّال عند قوله تعالىٰ : ( وَاعْتَصِمُوا بِاللَّـهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ) الحج [ ٧٨ ] : فقال : قال القفّال : هو مولاكم ، سيّدكم والمتصرّف فيكم. وذكرهما سعيد الچلبي مفتي الروم وشهاب الدين
___________________________________
(١) انتأشتهم : انتزعتهم.
(٢) عدّه من معاني المولىٰ جمع كثير من أئمّة التفسير والحديث واللغة ، لا يُستهان بعدّتهم. ( المؤلف )
(٣) التفسير الكبير : ٢٣ / ٧٤.